قصة الفضيحة التي منعت «نوبل للآداب» لأول مرة منذ 75 عامًا

صورة معبرة عن الصدع الذي ألحق بجائزة نوبل بعد فضيحة التحرش الجنسي

7 ربيعًا مرَّت على عمر جائزة نوبل في الأدب، فهي الجائزة التي تُمنح سنويًا منذ عام 1901 لكاتبٍ قدَّم خدمةً كبيرةً للإنسانية من خلال عمل أدبي و«أظهر مثالية قوية»، وذلك حسب وصف ألفرد نوبل في وصية المؤسسة لهذه الجائزة. وبرغم أن تاريخ بداية منح الجائزة كان منذ 117 عامًا، إلا أنَّ هناك سبعة أعوام لم يتم منح الجائزة فيها لأي شخص؛ حيث كانت هذه الأعوام في فترتي الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية؛ إذ تعتبر المرة الأخيرة التي تم تأجيل منح جائزة نوبل للأدب فيها كانت عام 1943.

وتفتح الجائزة، الأعرق والأكثر شهرة في العالم، للفائز بها أبواب العالم وتسلِّط الضوء على المؤلف وعمله. وتُكِّرم الجائزة أساسًا الروائيين والشعراء والكتاب المسرحيين، غير أن قائمة الفائزين شملت أيضًا أنواعًا مختلفة من الفنون والآداب التي ظهرت مؤخرًا، والتي على إثرها حاز آخرون على الجائزة؛ حيث حصل عليها، إلى جانب الروائيين والشعراء والمسرحيين، ثلاثة فلاسفة، هم: رودلف أوكن، وهنري برجسون، وبيرتراند راسل، بالإضافة إلى مؤرخ واحد هو تيودور مومسن، وسياسي واحد أيضًا، هو: ونستون تشرشل، رئيس وزراء المملكة المتحدة؛ وذلك بسبب خطاباته السياسية، وصولًا إلى عام 2017، عندما مُنحت الجائزة إلى المُغني وكاتب الأغنيات والرسَّام الأمريكي بوب ديلان.
ونظرًا لأهمية الجائزة، وجدت الأكاديمية الملكية السويدية التي تقف وراءها أنها في ورطة هذا العام، وهو ما دفعها إلى الإعلان عن تأجيل الجائزة حتى العام المقبل، وعدم إعلان أسماء أي فائزين بها هذا العام؛ وذلك من أجل الوقوف على أبعاد الأوضاع الحالية للأكاديمية والجائزة، وذلك بعد فضيحةٍ جنسيةٍ أدت إلى تدخل الملك السويدي نفسه في النهاية.

الجدير بالذكر أن قرار تأجيل إعلان الفائز بجائزة نوبل للآداب لن يؤثر على جوائز نوبل الأخرى؛ حيث تختارها مؤسسات أخرى مختلفة بخلاف الأكاديمية الملكية السويدية، بحيث تكون كل مؤسسة مسؤولة عن اختيار الفائز بإحدى جوائز نوبل.

بدايةً.. ماذا حدث قبل أن تظهر الأزمة؟

منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أصبح الحديث عن التحرش الجنسي في الأوساط المختلفة في الولايات المتحدة الأمريكية هو الحديث الأبرز الشاغل للرأي العام في مختلف الدول الغربية؛ بحيث لا يمر يوم واحد، إلا وتظهر فيه اتهامات بالتحرش الجنسي لأحد الشخصيات العامة المعروفة في المجتمع في المجالات المختلفة.

البداية كانت في الخامس من أكتوبر السابق؛ حيث نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية خبرًا يتعلَّق باتهامات للمخرج والمنتج السينمائي الأمريكي المعروف هارفي وينشتاين؛ إذ اتهمته الممثلتان: روز ماكجوان، وأشلي جود، بالتحرش الجنسي، والاعتداء والاستغلال الجنسي لهما؛ حيث كانت من بين الاتهامات إجبارهن على تدليكه ومشاهدته عاريًا، أو طلب مزايا جنسية منهما في مقابل حصولهما على امتيازات للعمل معه في أفلامه الشهيرة والمعروفة. فمن المعروف عن وينشتاين أنَّ أفلامه ترشحت إلى أكثر من 300 جائزة من جوائز الأوسكار، وفازت بـ81 جائزة منهم، حيث قرر وينشتاين استغلالهن بالجنس مقابل الشهرة. اعترف المخرج بالاتهامات مقدمًا اعتذارًا مؤكدًا فيه أنه «تسبب بالألم للكثيرات».
توالت الاتهامات من قِبل سيدات مختلفات، ممثلاتٍ أو غيرهن، ضد وينشتاين بتعرضهن لمواقف مشابهة، بالتحرش، أو الاعتداء الجنسي، أو حتى بالاغتصاب، الأمر الذي وصل حتى لحظة كتابة هذا التقرير إلى اتهامات من قِبَل 65 سيدة مختلفة في الولايات الأمريكية وخارجها على مدار 30 عامًا ضد المخرج والمنتج المعروف، وكانت من بينهنّ الممثلة أنجيلينا جولي، وجوينيث بالترو، الحاصلات على جوائز الأوسكار.

ردود الفعل على اتهامات التحرش لوينشتاين أدَّت إلى تصويت مجلس إدارة أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، التي تنظم جائزة أوسكار، في الرابع عشر من أكتوبر على قرار يقضي بطرد وينشتاين من عضويتها، وحظره مدى الحياة. كما قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إنه اتخذ خطوات لسحب وسام جوقة الشرف، وهو أعلى وسام فرنسي، والذي حصل عليه وينشتاين في عام 2012، هذا بجانب التحقيقات التي تجريها الشرطة في نيويورك ولوس أنجلوس وبيفرلي هيلز ولندن. ومن هنا بدأت الممثلات تحكين عن حوادث تحرش أخرى في الوسط الفني الأمريكي؛ مما أثار ضجة كبيرة في الرأي العام الأمريكي، أدت في النهاية إلى تدشين وسم #أنا_أيضًا، الذي تم تداوله في مختلف دول العالم، إلى أن وصل إلى أروقة الأكاديمية الملكية السويدية.

كيف بدأت فضيحة التحرش الخاصة بجائزة نوبل للأدب؟

الاتهامات العديدة التي لاحقت المنتج والمخرج الأمريكي، هارفي وينشتاين، دفعت عددًا من النساء اللواتي تعرَّضن للتحرش إلى تأسيس الوسم المعروف إعلاميًا باسم #أنا_أيضًا أو #MeToo ، والذي انتشر على شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، كـ«فيسبوك، وتويتر، وإنستجرام».

مدشنو الوسم صرَّحوا أنهم قاموا بذلك من أجل تشجيع بعضهن البعض من أجل الإفصاح عن تجاربهن، ومشاركتها مع الأخريات والآخرين، وذلك من أجل نيل حقوقهن، ومن أجل بيان مدى حجم المشكلة المأساوي الموجود في معظم دول العالم، المتقدم منها والمتأخر؛ حيث قالت أليسا ميلانو، الناشطة والممثلة الأمريكية، إنها فكرت في البداية في أن تشجع النساء على سرد قصصهن وتجاربهن مع التحرش الجنسي والمضايقات في الدول المختلفة.

وكتبت أليسا في تغريدة لها «لو استطاعت كل النساء اللاتي تعرضن للتحرش الجنسي، أو المضايقات من قبل، أن يكتبن جملة: (وأنا أيضًا) فقد يمكن للناس أن يشعروا بمدى خطورة المشكلة»، غير أنها فوجئت بوجود أكثر 60 ألف رد على هذه التغريدة في ساعاتٍ قليلةٍ فقط بعد كتابتها، لكثيرات يحكين قصصهن؛ مما دفعها لتحويل الوسم إلى حملة من أجل مكافحة التحرش الجنسي في الولايات المتحدة، ثم في العالم كله.

وبالعودة إلى جائزة نوبل للآداب، وتحديدًا في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، أي بعد شهرٍ واحدٍ فقط من تدشين الوسم والحملة، كشفت صحيفة «داجنس نيهتر» السويدية أن هناك 18 سيدة اتهمن المصور الفرنسي الذي يحمل الجنسية السويدية، جان كلود أرونو، بالاعتداء عليهن، أو مضايقتهن جنسيًا، وذلك على مدار 20 عامًا، في عدة أماكن مختلفة بين فرنسا، والسويد، بما في ذلك أماكن مملوكة من قِبل الأكاديمية الملكية السويدية، المسؤولة عن اختيار وتوزيع جائزة نوبل للآداب. وذكرت السيدات أنهن أقدمن على الإعلان عن هذه الخطوة بعد انتشار الوسم على مستوى العالم؛ حيث شعرن بأنهن غير خائفات ليتحدثن الآن.

(جان كلود أرنو، المتهم بالتحرش)

ربما تتساءل الآن، وكيف يدخل «أرنو» إلى الأكاديمية، وكيف يرتبط اسمه بجائزة نوبل للآداب؟ الإجابة هي «كاتارينا فروستنسون»؛ فهي شاعرة، ومؤلفة، وزوجة السيد «أرنو»، وهي عضو بالأكاديمية الملكية السويدية، فهي من ضمن اللجنة التي تختار الفائز بجائزة نوبل للآداب كل عام. ولسنواتٍ عديدةٍ؛ كان الزوجان يديران مكانًا يُدعى «forum»، وهي الكلمة الإنجليزية التي تقابل كلمة منتدى بالعربية؛ حيث كان هذا المكان بمثابة صالون ثقافي في العاصمة السويدية، ستوكهولم؛ حيث كان معرضًا للكتب، والقراءات المختلفة، وساحةً لالتقاء العديد من الشخصيات الثقافية والفنية البارزة، ولا سيما أولئك الحاصلين على جوائز نوبل. وبرغم اعتماد «forum» على التمويل بشكلٍ كبيرٍ على الأكاديمية الملكية السويدية، إلا أنه في وقتٍ لاحق تم إغلاق المكان؛ وذلك بسبب تعارض مصالحه مع الأكاديمية بحسب ما تم إعلانه على موقع صحيفة «الجارديان» البريطانية.

 

اتهامات وصلت للعرش الملكي.. كيف دافع المتهم عن نفسه؟

الاتهامات التي لاحقت المصور الفرنسي السويدي جان كلود أرنو، لم تتوقف فقط عند النساء اللواتي أعلنّ ذلك في نوفمبر الماضي فقط، بل يبدو أن هناك اتهامات بالتحرش الجنسي بالأميرة فيكتوريا، ولية عهد عرش السويد، وذلك خلال حفلٍ سابقٍ للأكاديمية الملكية السويدية.

وبرغم أن السيد أرنو نفى تمامًا الاتهامات التي وُجهت له بالتحرش بالأميرة فيكتوريا، أو بلمس مؤخرتها خلال حفل داخل الأكاديمية في عام 2006، إلا أن هناك صحيفة «سفينسكا داجبلادت»، التي نشرت شهادات لثلاثة أشخاص قالوا إنهم شاهدوا واقعة التحرش بالأميرة. من جانبه لم يعلق القصر الملكي السويدي على هذه الحادثة، إلا أنه أصدر بيانًا عامًا عبر فيه عن تضامنه مع ضحايا التحرش والاعتداء الجنسي في إطار حملة: أنا أيضًا.
ومع انتشار الفضيحة الجنسية داخل أروقة الأكاديمية الملكية السويدية إلى العالم الخارجي، عملت الأكاديمية على إجراء تحقيق داخلي مُوسَّع حول أفعال السيد أرنو داخل أروقة الأكاديمية؛ حيث توصَّلت إلى أنه قد قام بتسريب سبعة أسماء من الفائزين لجائزة نوبل للأدب على مدار أعوام، وذلك في إطار المراهنات الثقيلة على الفائزين، بما في ذلك المراهنة على فوز بوب ديلان بالجائزة عام 2016. من جانبه قال بيورن هورتيج، محامي المصور الفرنسي السويدي، إن موكله ينفي جميع المزاعم الموجهة إليه، مضيفًا أن السيد أرنو قد أصبح «ضحية مطاردة ساحرة»، وأن الاتهامات التي وُجهت إليه هي بهدف إلحاق الأذى به.

ماذا عن الاستقالات؟ ومن تبقى في الأكاديمية؟

أجبرت السيدة سارة دانيوس، أول امرأة أديبة عالمة ترأس الأكاديمية الملكية السويدية، على تقديم استقالتها في منتصف شهر أبريل (نيسان) المنصرم؛ وذلك بعد أن قطعت العلاقات بين الأكاديمية، وبين السيد أرنو وصالونه الثقافي، كما أنها استأجرت شركة قانونية متخصصة في أواخر العام الماضي من أجل التحقيق في علاقة السيد أرنو بالأكاديمية.

وجاءت استقالة دانيوس بعد أسبوع واحد فقط من استقالة ثلاثة أعضاء آخرين في الأكاديمية؛ وذلك بعد إعلانهم أنهم وُضعوا تحت ضغط ومضايقة من مكتب المحاماة الذي استأجرته رئيسة الأكاديمية؛ مما خلق أزمة داخلية بين أعضاء الأكاديمية الذي يبلغ عددهم 18 شخصًا؛ حيث إن هذه الأزمة الداخلية لم يسبق وأن حدث بمنظمة نوبل على الإطلاق. كما أن هؤلاء الثلاثة أكدوا أن استقالتهم جاءت أيضًا اعتراضًا على عدم طرد فروستينسون، زوجة المصور الفرنسي المتهم بالتحرش.
وبعد هذا الانقسام الداخلي، خرج الرأي العام السويدي مؤيدًا وداعمًا للسيدة دانيوس التي أُرغمت على تقديم استقالتها بسبب الفضحية الجنسية لرجلٍ؛ حيث اعتبره الكثيرون نوعًا من التضحية التي تُقدمها المرأة من أجل أفعال الرجال التي لا يحاسبون عليها، بحسب ما وصفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

وقد قامت شخصياتٍ عامةٍ بارتداء رابطة عنق مثل تلك التي ترتديها السيدة دانيوس المعروفة؛ وقاموا بنشر صورهم على شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة؛ وذلك في إشارة منهم إلى تقديم الدعم لرئيسة الأكاديمية، وفيما يلي إحدى التغريدات على موقع التغريدات الأشهر «تويتر» التي نشرها وزير الابتكار السويدي، ميكائيل دامبيرج، مرتديًا رابطة عنق مربوطة مثلما اعتادت السيدة دانيوس من أجل تقديم الدعم لها.

ملك السويد: تغييرات جذرية في لوائح جوائز نوبل

انتخاب أعضاء الأكاديمية يسري مدى الحياة، أي أنه لا يمكن لأي عضو من لجنة الأكاديمية الملكية السويدية، القائمة على اختيار جائزة نوبل للآداب، أن يقدم استقالته، وبالتالي فإن إعلان أي فرد من اللجنة استقالته يعني أن مقاعدهم ستبقى شاغرة حتى وفاتهم؛ حيث إن الاستقالة بالنسبة للجنة هي عدم المشاركة في اختيار الفائز بجائزة نوبل للآداب، أو عدم النشاط فيما يخص أنشطة الأكاديمية؛ حيث إنه من الجدير بالذكر أن عدد الأعضاء الناشطين في هذه اللحظة في الأكاديمية هو 10 أعضاء فقط، بدلًا عن 18 عضوًا.
وفي الوقت نفسه، فإنه من أجل المطالبة بانتخاب أعضاء جدد للجنة، لابد من موافقة 12 شخصًا على هذا الطلب من ضمن 18 عضوًا في اللجنة، ونظرًا لأن اللجنة الآن تتكون من 10 أشخاص فقط، فإن الملك كارل السادس عشر جوستاف، ملك السويد، أعلن أنه سيتم إحداث بعض التغييرات على قوانين ولوائح لجنة الأكاديمية؛ وذلك من أجل ضمان بقائه.

من جانبه، قال الأمين العام المؤقت لمؤسسة نوبل، أندريس أولسون: «إننا نرى أنه من الضروري تخصيص وقت لاستعادة ثقة الجمهور قبل الإعلان عن الفائز التالي. هذا هو احترام الأدباء السابقين والمستقبليين، ومؤسسة نوبل، وعامة الناس». ومن المتوقَّع أن يتم إعلان جائزتي نوبل للآداب لعامي 2018، و2019 في شهر أكتوبر عام 2019.

Sign In

Reset Your Password