تعتبر زيارة البابا فرانسيسكو الى البرازيل بمثابة رهان حقيقي للفاتيكان على منطقة أمريكا اللاتينية التي تحتوي على نصف الكاثوليك في العالم. وهذه الزيارة التي لقيت اهتماما قويا وسط الطبقة السياسية والإعلامية والرأي العام الدولي تدخل ضمن مخطط عام للفاتيكان يرمي الى هيكلة الكاثوليكية في العالم ونسج جسور جديدة مع الفاعلين سواء الدينيين مثل الإسلام أو السياسيين مثل الصين والولايات المتحدة.
وبدأ البابا فرانسيسكو زيارته الى البرازيل الثلاثاء الى الأحد من الأسبوع الماضي، وجاء اختيار هذا البلد لأنه علاوة على احتضانه اللقاء السنوي لشباب المسيحية فهو يمثل مستقبل أمريكا اللاتينية اقتصاديا وسكانيا ودينيا. وتبرز المقالات التحليلية في دول أمريكا اللاتينية أن هذا البابا الذي ينتمي الى الأرجنتين يدرك رفقة الفريق المساعد له أن أمريكا اللاتينية رفقة إفريقيا تمثل أمل ومستقبل الكاثوليكية.
وجاء في ملفات جريدة “لفنغورديا” الإسبانية، وهي مجلة ذات طابع استراتيجي تصدر كل ثلاثة أشهر أن “الفاتيكان يواجهه تحديات حقيقية في العالم ومنها نسج العلاقات مع الديانات مثل اليهودية والإسلام ولكن كذلك مع القوى العظمى مثل الولايات المتحدة والصين وكذلك تعزيز نفوذها في مناطق استراتيجية مثل أمريكا اللاتينية”.
وفي مقال تحليلي لها، تبرز جريدة كومرسيو البيروانية منذ أيام أن أهمية أمريكا اللاتينية في الخريطة الدينية للعالم وللفاتيكان أساسا ذات بعد استراتيجي حقيقي لأنها تضم 40% من كاثوليك العالم، وهو رقم يبرز قوتها وتأثيرها في أي رهان لتطوير فعالية الفاتيكان في العالم مستقبلا سياسيا وأخلاقيا واجتماعيا.
وعكس القارة الإفريقية التي يتعرض فيها الفاتيكان لمواجهة قوية من قبل الديانة الإسلامية، ففي أمريكا اللاتينية يختلف الأمر جذريا، فالتحدي يتجلى في مواجهة الكنيسة الأنجليكانية وفي إعادة الثقة الى الكنيسة عموما وسط شباب ثائر على الأوضاع.
وعلاقة بالكنيسة الأنجليكانية، فأمريكا اللاتينية كانت تضم سنة 1910 قرابة 90% من الكاثوليك، وأصبحت بمعدل 72% سنة 2010، وفق تقرير منتدى بيو للديانة والحياة العامة. وتركز الكنائس الأنجليكانية كثيرا على أمريكا اللاتينية، ولا يريد الفاتيكان خسارة هذه المنطقة.
وعلاقة بالنقطة الأخيرة، تذهب الصحف الكبرى في أمريكا اللا تينية وأساسا البرازيلية في التركيز وإبراز خطاب البابا فرانسيسكو الذي يحاول من خلاله استمالة الشباب في أمريكا اللاتينية من خلال التركيز على المشاكل التي يعاني منها وأساسا الفساد السياسي والمالي والإداري في معظم دول المنطقة. وأكد راديو كراكول الكولومبي أن هذا البابا ذو نزعة سياسية كثيرا لأنه يتناول المشاكل الحقيقية للشباب الناتجة عن سياسات غير برغماتية وسياسات غير نزيهة.
والمثير أن البابا يقترب مما يعرف بلاهوت التحرير أي تيار الكنيسة الكاثوليكية الذي تحالف مع المقاتلين اليساريين والفقراء في الماضي ضد الأنظمة الدكتاتورية. وتركيزه هذا يعود الى معرفته العميقة بمدى رؤية الشباب في أمريكا اللاتينية الدين بمثابة منقذ سياسي واجتماعي. ويؤكد رجل الدين والفيلسوف ليوناردو بوف في تصريحات للصحافة البرازيلية وهو من رموز لاهوت التحرير أن البابا طلب كتبه الدينية قبل زيارته البرازيل رغم أن البابا السابق بينديكت 16 كان قد حارب لاهوت التحرير عندما كان مسؤولا عن شعبة الإيمان في الفاتيكان قبل توليه كرسي البابوية.
وهكذا، فقبل خوض غمار المنتافسة مع الإسلام في القارة الإفريقية والأسيوية، يرغب الفاتيكان في ضمان أمريكا اللاتينية من المنافسة لتصبح المعقل الجديد للكاثوليكية في القرن الواحد والعشرين.