تبنت المفوضية الأوروبية مشروع قرار يعتبر الطاقة النووية، طاقةً خضراء، حتى سنة 2045 رفقة الغاز إلى سنة 2030 على الأقل، وهو قرار ملفت في تاريخ الطاقة، لا سيما إذا صادق عليه مجلس أوروبا. وسينتج عنه الرهان على الطاقة النووية مستقبلا للتقليل من الاعتماد على الغاز والبترول والفحم الحجري، ومن شأنه أن يؤدي إلى طلب متزايد على النووي رغم تحكم دول قليلة فيه.
وعاش الاتحاد الأوروبي خلال اليوم الأخير من سنة 2021 مفارقة غريبة في مجال الطاقة، ففي هذا اليوم، أغلقت ألمانيا ثلاث محطات نووية تماشيا مع خطتها للتخلص من النووي مستقبلا، وبينما كانت ألمانيا تتخذ هذه الخطوة، حدث العكس في عاصمة الاتحاد الأوروبي بروكسل، حيث تبنت المفوضية الأوروبية مشروع قرار يعتبر الطاقة النووية خضراء، أي تدخل في خانة الطاقة التي لا تنتج انبعاثات كثيرة، وتعتمد على موارد طبيعية لا تنضب ولا تلحق ضررا بالبيئة.
ويتضمن مشروع القرار، وفق جريدة “الباييس” الإسبانية التي اطلعت على مسودته ونشرته السبت الماضي، اعتبار الطاقة النووية خضراء على الأقل حتى سنة 2045، أي قرابة ربع قرن، وهذا يمنح للمحطات النووية الحالية مكانة جديدة كمنتجة للطاقة الخضراء، ثم سيسهل الاستثمار مستقبلا في بناء محطات نووية جديدة.
وكانت المفوضية الأوروبية قد صادقت خلال أبريل الماضي على أول حزمة تصنيف تخص الطاقة الخضراء، وتركت خارج التصنيف كلا من الطاقة النووية والغاز، حيث شهد التصنيف مواجهة قوية بين ألمانيا الراغبة في التخلي عن الطاقة النووية، وفرنسا التي تدافع عنها وتطالب بضمها إلى الطاقة الخضراء. ونجحت المفوضية الأوروبية بضغط من فرنسا في تبني مشروع القرار في اليوم الأخير لسنة 2021، وساعات قبل بداية رئاسة فرنسا الدورية للاتحاد الأوروبي التي بدأت السبت.
وسيطرح المشروع على مجلس أوروبا الذي يضم ممثلي الدول منتصف يناير الجاري. وبدون شك، ستستغل فرنسا رئاستها للاتحاد من أجل المصادقة عليه. وكان المفوض المسؤول عن السوق الداخلية للاتحاد، تييري بروتون، قد قال مؤخرا إن “الاتحاد الأوروبي وضع سنة 2050 كتاريخ من أجل تحقيق الميثاق الأخضر، أي استعمال طاقة بدون انبعاثات، ولا يمكن تحقيق ذلك دون اللجوء إلى الطاقة نووية”.
في الوقت ذاته، يضع مشروع القانون، الغازَ في مرتبة الطاقة النووية على الأقل باعتباره طاقة خضراء حتى سنة 2030؛ لأنه لا يوجد بديل تكنولوجي واقتصادي له.
وينقسم خبراء الاتحاد الأوروبي بين رافض لفكرة الرهان على الطاقة النووية، وبين مؤيد لها، بل يعتبر أنه لمكافحة التغيير المناخي، يجب الرهان على الطاقة النووية. بالموازاة مع هذا، يوجد العامل الجيوسياسي في هذا الملف، إذ يدافع تيار أوروبي تتزعمه فرنسا عن ضرورة اللجوء إلى الطاقة النووية للتقليل من استيراد الغاز والنفط لتعزيز استقلالية الاتحاد الأوروبي عن أطراف ثالثة وخاصة روسيا التي يتم منها استيراد الغاز لإنتاج الكهرباء.
وتتقدم فرنسا على كل الدول الأوروبية سواء في عدد المحركات النووية بـ56 محركا ثم في إنتاج الكهرباء، إذ تنتج 52% من طاقة الكهرباء الأوروبية الناتجة عن الطاقة النووية. وتأتي إسبانيا وبلجيكا وسط الاتحاد الأوروبي بعد فرنسا بسبع محركات لكل بلد في حين لا تمتلك البرتغال وإيرلندا أي محطة نووية، وكانت بريطانيا هي الثانية بـ15 محركا قبل مغادرتها الاتحاد ضمن البريكسيت. وتحتل فرنسا المركز الثاني عالميا بعدد المحركات بعد الولايات المتحدة، متقدمة على الصين وروسيا والهند واليابان، وتخطط لبناء أربع محطات أخرى خلال السنوات المقبلة. وتنتج فرنسا 70% من احتياجاتها من الكهرباء، الأمر الذي يجعلها لا تعتمد على الغاز الروسي مثل ألمانيا.