أحيى أنصار حقوق الإنسان في المغرب بحزن الذكرى 48 لاغتيال أحد زعماء الحركة الوطنية واليسار المغربي المهدي بنبركة بسبب استمرار الغموض بشأن ملابسات وقوع هذه الجريمة التي تعد من الجرائم السياسية الكبرى في القرن العشرين. وسيستمر هذا اللغز لسنوات بل لعقود مقبلة طالما أن دول مثل فرنسا والولايات المتحدة ترفض الكشف عن الملفات الخاصة بهذه القضية.
تناقض الاشتراكيين وتعدد الروايات
ويشهد هذا الملف مفارقات حقيقية أبرزها موقف قادة حزب الاتحاد الاشتراكي الذين لم يبذلوا مجهودا يذكر للكشف عن أسرار اغتيال المهدي بن بركة رغم ترأس الحزب للحكومة لسنوات مع عبد الرحمان اليوسفي وتولي اشتراكيين وزارة العدل، الراحل محمد بوزوبع وعبد الواحد الراضي.
في الوقت ذاته، تعددت الروايات حول عملية الاختطاف حيث هناك رواية فرنسية تحمل المغرب بطريقة أو أخرى عملية الاغتيال وأن المهدي بن بركة جرى نقله الى المغرب ورواية مغربية تحمل فرنسا المسؤولية لأن الجريمة وقعت فوق أراضيها وبمشاركة عملاء فرنسيين، وهي الرواية التي يصر عليها الملك الراحل الحسن الثاني. وتوجد الرواية الإسبانية التي تتحدث عن نقل المهدي بن بركة الى المغرب ولكن الطائرة التي كانت تقله سقطت في البحر قرب أصيلا.
ومهما حقق القضاء المغربي الذي يبقى دوره محدودا للغاية ومهما حقق القضاء الفرنسي من تقدم، فلا يمكن الوصول الى الحقيقية في الوقت الراهن لأسباب متعددة بل يزداد تعقيدا.
في هذا الصدد، الملف يزداد تعقيدا بحكم أن الشخصيات المغربية المشاركة في عملية الاختطاف رحلت عن هذا العالم وهي الملك الحسن الثاني والجنرالين، محمد أوفقير وأحمد الدليمي ثم عضو الاستخبارات البارز العشعاشي، بينما يستمر على قيد الحياة آخرين لعبوا دورا ثانويا للغاية أو لم يكن لهم دورا نهائيا مثل الجنرال حسني بنسليمان ومدير الاستخبارات العسكرية الأسبق القادري.
صمت المخابرات الفرنسية والأمريكية
واللافت للانتباه في هذا الملف هو إصرار وزارة الدفاع الفرنسية على عدم تقديم ملف المهدي بن بركة كاملا الى القضاء الفرنسي رغم إصرار الأخير. ويفهم من هذا الموقف أن وزارة الدفاع تتخوف من تضرر مصالح فرنسا في حالة الكشف عن هذا الملف، وترى أن الوقت لم يحن بعد. ويذكر أن الجنرال شارل دوغول كان يؤكد أن لا دخل لفرنسا في هذا المل باستثناء تورط بعض “المرتزقة”، لكن تبين لاحقا أن المخابرات الفرنسية كانت على الأقل على علم بكل خطوات الاغتيال.
وعلى شاكلة وزارة الدفاع الفرنسية، ترفض المخابرات الأمريكية الكشف عن ملف المهدي بن بركة، وتؤكد أن برمجة الكشف عنه سيكون خلال العقود اللاحقة. وموقف المخابرات الأمريكية يؤكد أنه علاوة على تورط أطراف مغربية هناك تورط دولي في اغتيال المهدي بن بركة، والأمر يتعلق بمؤتمر القارات الثلاث الذي كانت ستحتضنه العاصمة الكوبية هافانا.