تحل اليوم الخميس الذكرى الثالثة لحركة 20 فبراير، ويتزامن هذا مع تقلص دورها المباشر في المشهد السياسي والاعلامي في البلاد، ويتراوح وجودها الآن بين ذكريات مجد التظاهرات العارمة وتحدي المؤسسة المخزنية والأمل في استعادة الزخم النضالي لفرض إصلاحات جوهرية. ولكنه رغم هذا التراجع فقط أرست ثقافة نضالية جديدة تتمظهر عبر قنوات تنظيمية نضالية أخرى بعدما ورثت حركات اجتماعية تراثها السياسي وديناميتها الاحتجاجية.
وشكلت حركة 20 فبراير منعطفا في السياسة المغربية مع بداية القرن الواحد والعشرين ، فهي التي دفعت المؤسسة الملكية الى إحداث دستور جديد للبلاد بعدما لم يكن هذا مبرمجا في الأجندة الملكية أي إصلاح دستور رغم وصول الملك محمد السادس الى العرش سنة 1999. وكانت المؤسسة المخزنية تروج للعهد الجديد ولكن بدون أرضية دستورية، وهو مفارقة في تاريخ ما يفترض أنه الانتقال الديمقراطي.
ولعل أكبر مساهمة للحركة في المشهد السياسي لها هو إرساؤها في وقت قصير وعيا قويا وسط الرأي العام المغربي بضرورة التغيير وإن كان قد فشلت في مواكبته لاحقا. ولم يسبق لأي حركة سياسية سابقة أو حدثا سياسيا أن خلق وعيا في مدة قصيرة باستثناء لحكة الاستقلال سنة 1956.
وأعطت الحركة للمشهد السياسي شحنة سياسية غير مرتقبة من خلال طرح إشكاليات كبرى وبدون تردد ومنها ضرورة إصلاح الملكية وابتعادها عن مجال المال والأعمال. ورفعت التظاهرات شعارات ضد المحيط الملكي مثل فؤاد علي الهمة ومنير الماجدي، والمطالبة بفتح تحقيقات في الفساد والخروقات وتخليق الحياة السياسية وامتدت أحيانا الى المؤسسة الملكية نفسها.
ومثل باقي الحركات النضالية، تعرضت حركة 20 فبراير للمتابعة والملاحقة القضائية والتشويه الاعلامي، وأعطت شهداء ومعتقلين.
وإذا كانت سنة 2012 قد سجلت تراجعا للحركة في المشهد السياسي مقارنة مع سنة 2011، فسنة 2013 حملت معها النهاية غير المعنلة لحركة 20 فبراير وتحل الذكرى الثالثة لتأكيد هذا الاستنتاج.
وتفيد مؤشرات متعددة حول النهاية غير المعلنة للحركة وعلى رأسها عدد وحجم التظاهرات. وإذا كانت سنة 2011 قد شهدت تظاهرات في قرابة أربعين مدينة مغربية بين كبرى ومتوسطة وصغرى، ومشاركة عشرات الآلاف، فقد تراجع العدد الى أقل من الربع سنة 2012 أما خلال سنة 2013، فحجم المشاركة وعدد المحتجين أصبح رمزيا وفي مدن معينة مثل طنجة والرباط والدار البيضاء وتطوان.
وفي الوقت ذاته، كانت حركة 20 فبراير الأكثر حضورا في الاعلام المغربي وشبكات التواصل الاجتماعي، وكان عشرات الآلاف من الشباب يضعون رمز الحركة صورة في البروفايل، وكانت أخبار الحركة تتداول بين نشطاء الفايسبوك. ومع النصف الثاني للسنة الجارية التي أوشكت على الانتهاء. لكن سنة 2013 سجلت الغياب المثير للحركة وإن كان موقعها في الفايسبوك ينشر بين الحن والآخر مقالات وبيانات عن تظاهرات واعتصامات. ومع الذكرى الثالثة، بدأ بعض نشاء الفايسبوك يوجهون نقدا قويا للحركة.
وتسعف عوامل متعددة في تفسير تراجع حركة 20 فبراير وعلى رأسها غياب برنامج الحد الأدنى بين المكونات السياسية والاجتماعية للحركة خاصة بين الشق العلماني اليساري وحركة العدل والإحسان، ثم تراجع شعلة الربيع العربي-الأمازيغي في العالم العربي ونجاح مناورات السلطات المخزنية في إضعاف الحركة واللعب على تناقضاتها واستقطاب بعض رموزها.
وعمليا، تتواجد الحركة عبر قنوات أخرى، فأكبر مساهمة لها في المشهد السياسي هو دورها في إرساء وعي سياسي واجتماعي حقيقي وسط الرأي العام، وارتباطا بهذا، يستمر تراث حركة 20 فبراير حاضرا في التظاهرات والاعتصامات الاحتجاجية التي تنفذها مختلف الحركات الاجتماعية أساسا المنبثقة بشكل غير مباشر أو التي كانت متواجدة وأعطتها الحركة شحنة أكبر.