مطالب تجريم الإثراء غير المشروع في المغرب، تبدو، في كثير من الأحيان، هي المُجرَّمة وغير المشروعة، وليس الإثراء الحرام. وكلنا يعرف أناسا فضحوا الفساد المالي في الإدارات والمؤسسات، وانتهى بهم الأمر في السجون والشوارع، فيما أطلقت يد الفساد حرة طويلة.
وفي السنوات الأخيرة، رأينا كيف حوكم ثلاثة مهندسين، هم عبد المجيد ألويز ومحمد رضى ومحمد عاشق، ليس لأنهم فاسدون، بل لأنهم، ربما، فضحوا ما اعتبروه فسادا، بعدما نشرت «أخبار اليوم» تحقيقا معززا بالوثائق عن «البريمات» التي كان الخازن العام للمملكة، والوزير السابق في المالية، يتبادلانها في صمت؛
حيث كان نور الدين بنسودة يوقع لصلاح الدين مزوار على «بريم» شهري قدره 8 ملايين سنتيم. وفي المقابل، يوقع مزوار لبنسودة على «بريم» شهري بـ10 ملايين سنتيم، تنضاف إلى راتبيهما المحترمين، وإلى التعويضات الأكثر احتراما التي يستفيدان منها بمقتضى ظهير.
الآن، وبعد أربع سنوات من اعتقاله في لجنة العدل والتشريع، ها هو مشروع القانون الجنائي سيرى النور، معاقا، بعد غربلته جيدا؛ فبعدما كان النص الأصلي يتضمن إمكانية متابعة جميع الموظفين بجريمة الإثراء غير المشروع، وبعقوبات سجنية، أصبح يشمل، فقط، الخاضعين للتصريح بالممتلكات، ودون عقوبة حبسية، على أساس ألا يتابَعوا بهذه الجريمة إلا بعد انتهاء مهامهم، أي بعد نهاية تعاقدهم، مع أن المنتخبين، مثلا، يمكن أن يستمروا في مناصبهم حتى الموت.
ولأن المشرعين الخفيين، عندنا، يبرعون في إخراج القوانين والمؤسسات على المقاس، ما يعطي انطباعا، للخارج قبل الداخل، بأننا دولة مؤسسات حقيقية، لكنها، في الحقيقة، لا تؤسس إلا ما تريده السلطوية، فإن مهمة مراقبة وفحص الإثراء غير المشروع سوف تسند إلى المجلس الأعلى للحسابات، الذي يشتكي قضاته، أصلا، ضغط وتراكم الملفات على مكاتبهم، والذين تبقى ملاحظاتهم حول الاختلالات المالية في الإدارات والمجالس المنتخبة، رهينة الرفوف.
والأحكام الوحيدة التي تصدر فيها، هي تلك التي يصدرها المتهمون في حق القضاة، ويا للمفارقة. وكلنا يتذكر كيف اتهم شباط قضاة المجلس الأعلى للحسابات بالإرهاب، وكيف تطاول عليهم أخنوش وأعضاء حزبه أخيرا، وكيف استهزأ بهم عليوة الذي تمرد حتى على استدعاءات قاضي التحقيق.
فهل سيكون بإمكان النيابة العامة، غدا، تحريك المتابعة في حق المتهمين بالإثراء غير المشروع، في غياب تقرير من المجلس الأعلى للحسابات، يؤكد وجود تلك الاختلالات؟ إن من يطرحون هذا السؤال، يطرحونه مقرونا بسؤال آخر: هل سيساعد المجلس الأعلى للحسابات في محاسبة الفساد والفاسدين، ومحاصرة الإثراء غير المشروع، أم سيحميه، ويعقد مسطرة مواجهته؟
إننا نطرح هذه الأسئلة وتلك الشكوك، ونحن نرى حكما يصدر عن غرفة الجنايات بأربع سنوات حبسا موقوف التنفيذ في حق رئيس جماعة قريبة من العاصمة الرباط، بدد واختلس الملايير من المال العام، بالتزامن مع صدور حكم بأربع سنوات حبسا نافذا، شُرع في تنفيذه قبل حتى أن يصير الحكم نهائيا، لكل من كتب سطرا أو غنى أغنية.
من، إذن، يعرقل إقرار النصوص القانونية التي نص عليها الدستور؛ من قبيل القانون التنظيمي للطعن في دستورية القوانين، والذي جرى إقراره على مضض، بعدما عمد من عرقلوه إلى تضييق هذا الحق إلى أقصى حد، ما جعل المحكمة الدستورية ترفض إقراره، وتعيده إلى البرلمان لتعديله، فإذا به يقبره، وكذا القانون المتعلق بإثارة المسؤولية الجنائية لأعضاء الحكومة أمام المحاكم، والقانون الذي يعاقب على استغلال تضارب المصالح، والذي ترتبط به مقتضيات القانون الجنائي التي تجرم الإثراء غير المشروع؟
كل هذه النصوص تقع عرقلتها في البرلمان بشكل ممنهج، ما يوحي بأن هناك قرارا سياسيا، من خارج البرلمان، بعدم إقرارها، مع العلم بأن بعضها تأخر لما يقارب عشر سنوات (لارتباطها بدستور 2011)، في حين أن المواد الجنائية التي تستعمل للالتفاف على قانون الصحافة، لطحن حرية التعبير، والتي جعلت المعتقلين والمرشحين للاعتقال بسبب تدوينات أو تعبيرات في الفضاء الافتراضي، يشكلون طوابير كبيرة أمام معتقلات التامك، جرى إقرارها بسرعة البرق، ويا للمفارقة المضحكة المبكية، ضمن مواد قانون محاربة العنف ضد النساء. نعم، المدونون الذين اعتقلوا مؤخرا، توبعوا بفصل من قانون محاربة العنف ضد النساء، دون أن يعنفوا أي امرأة، وإنما أزعجوا السلطوية بأغانيهم أو خربشاتهم.
إن الشعار الذي تهدر به كل التظاهرات السياسية والاجتماعية التي تغلي بها شوارع المملكة، والذي يوحدها، هو: «فلوس الشعب فين مشات؟». ويبدو أن هذا السؤال سيبقى معلقا، إلى حين تفكيك التحالف الجدلي الذي سمَّته حركة 20 فبراير بالفساد والاستبداد.