تؤثر التقارير الحقوقية على صورة المغرب وسط المنتظم الدولي ولكن هذه التقارير بدأت تصبح مرجعا حتى لقضاء بعض الدول لتبرير رفض أحكام مغربية أو التعاون القضائي مع المغرب. وتبقى الحالة الأخيرة هي قرار محكمة أمريكية رفضت تعويض قضت به نظيرتها المغربية في ملف فضيحة “بترول تالسنيت” بسبب تأثير الملكية على القضاء في المغرب وخوف القضاة من التدخل في الملفات التي يوجد فيها أعضاء من الملكية.
وأوردت الواشنطن بوست ووسائل إعلام أمريكية أخرى منذ ثلاثة ايام خبرا يتعلق بحكم قاض أمريكي جيمس نولين من محكمة أوستين في تكساس قضى به يوم 13 من الشهر الجاري يرفض تطبيق حكم صادر عن القضاء المغربي يتعلق بتغريم رجل أعمال أمريكي 123 مليون دولار على خلفية فضيحة تالسنيت، حيث تابع مغاربة مستثمرا أمريكيا بتهمة الاحتيال.
وكان القضاء المغربي قد أصدر حكما على رجل أعمال أمريكي جون بول دجوريا وآخرين سنة 2009، يقضي بتعويض قيمته 123 مليون دولار لفائدة شركة “مغرب بتروليوم” للتنقيب عن النفط والصندوق الاستثمارِيMideast Fund for Morocco “MFM” لرجل أعمال سعودي اللذان سجلا دعوى قضائية ضد 7 من الشركاء السابقين في المشروع ومن بينهم دجوريا، على اعتبار انه من المسؤولين عن “كذبة تالسينت”.
ويعتبر دجوريا من أبرز رجال الأعمال الأمريكيين، فرغم أن ثروته لا تتجاوز ثلاثة ملايير دولار، فقد اشتهر بالرجل أنه كان فقيرا معدما واجتد وقفز الى عالم الأغنياء وتحول الى نجم وسط المجتمع الأمريكي بسبب تمويله مؤسسات طبية وخيرية ومن أشد المدافعين عن البيئة.
ومن ضمن الدلائل التي اعتمدها القاضي الأمريكي لرفض الحكم المغربي هو أن “القضاء المغربي ليس مستقلا” معتمدا على التقارير الدولية وعلى تصريح لوزير الخارجية المغربي السابق الطيب الفاسي الفهري في معهد أمريكي سنة 2011 الذي يقول فيه أن بعض القضاة يتلقون تعاليمات بالهاتف لإصدار الأحكام. ويرى القاضي أنه لا يمكن تغريم مواطن أمريكي من طرف قضاء ليس شفافا.
في الوقت نفسه، اعتمد القاضي على التقارير الدولية التي تصف القضاء المغربي بعدم الشفافية، وفي هذا الصدد، اعتمد على تقرير USAIDالصادر منذ سنتين حيث رصد مكامن الخلل في القضاء المغربي بل واعتمد على اعتصامات لقضاة المغرب المنتمين لنادي القضاة الذين طالبوا بالإستقلالية.
وكانت محاكم بعض الدول ومنها في أوروبا مثل بلجيكا ترفض الأحكام أو التعاون مع القضاء المغربي في بعض الملفات الشائكة مثل حقوق الإنسان تحت ذريعة أن القضاء غير مستقل، لكن هذه المرة ينتقل الأمر الى مجال المال والأعمال.
ويعتبر ملف تالسنيت من أكبر الفضائح التي شهدها المغرب في العقود الأخيرة، فقد سقط مجموعة من النافذينو منهم عضو في العائلة الملكية في شباك مستثمرين أمريكيين أوهموهم بوجود النفط. وفي غمرة النشوة وبدون مراجعة، ألقى الملك محمد السادس يوم 20 غشت 2000 خطابا يؤكد فيه العثور على النفط في هذه المنطقة، ومع مرور الأيام تبين أن الأمر يتعلق فقط بوهم وسراب. وبهذا تبقى تاسلنيت من عناوين “الخيبة” الكبيرة التي ميزت ما يصطلح عليه “العهد الجديد”.
ورغم حجم هذه الفضيحة، لم يقدم الديوان الملكي أو الحكومة المغربية توضيحات للرأي العام حول تالسنيت، ومنها الرشاوي المفترضة التي يجري الحديث عنها، ثم وجود عضو من العائلة الملكية في استثمار يفترض أنه يمس الأمن القومي ويتطلب وجود الدولة وليس أعضاء من العائلة الملكية.
ومن أبرز فقرات الحكم المتعلقة بالملك محمد السادس والعائلة الملكية ما يلي: “القضاة ليسوا أناسا أغبياء غافلين عن الضغط الخارجي. كما يتضح من الاحتجاج المكثف لدى الوسط القضائي فإن القضاة المغاربة يدركون تماما أن مصدر رزقهم (حاضرا ومستقبلا) مرتبط بعدم إزعاجهم للملك والعائلة الملكية.”
Judges are not stupid people oblivious to outside pressure. As evidenced by mass judicial protest, Moroccan judges are keenly aware that their livelihoods (present and future) depend on remaining in good graces of the King and royal family.
وتقول فقرة أخرى
إن الفحص الدقيق لنظام العدالة المغربي يكشف أمورا هيكلية وعملية ليست موجودة في دول مثل إنجلترا وفرنسا، أو كوريا الجنوبية. بينما حقق المغرب خطوات جادة في مجالات عديدة ويبدو أن لديه شعبا له رغبة حقيقية والتزام بتأسيس إطار مجتمعي مبني على سيادة القانون، إلا أن التزام العائلة المالكة المغربية باستقلال القضاء كان ولا يزال مفقودا، علما أن هذا الاستقلال ضروري لحماية سيادة القانون، وهذا الوضع يثير تساؤلات خطيرة حول احتمال حصول أي طرف على محاكمة عادلة إذا ما وجد نفسه في نزاع قضائي تكون فيه للعائلة المالكة مصلحة ما، سواء كانت اقتصادية أو سياسية.
وبهذا، تعود فضيحة تالسنيت في ذكراها 14 الى الواجهة من خلال الحكم المغربي والأمريكي على أساس أن الأمر يتعلق بحلقات من الأعمال غير الشفافة.