شكك مراقبون بنية الحكومة الجزائرية في كشف المتورطين بفضيحة اختلاسات مؤسسة “سونطراك”. واعتبروا أن ملاحقة وزير الطاقة السابق شكيب خليل قضائيا مجرد تصفية حسابات بين الزمر الحاكمة المتصارعة حول الانتخابات الرئاسية القادمة.
تباينت ردود فعل الطبقة السياسية والرأي العام بعد إصدار القضاء الجزائري مذكرة دولية بتوقيف وحجز ممتلكات وزير النفط السابق شكيب خليل وعائلته. البعض رحب بالخطوة ودعا إلى ضرورة الاستمرار في الكشف عن ملابسات كل ملفات الفساد التي تنخر الاقتصاد الجزائري وتهدد استقرار البلاد وسمعتها.
والبعض الآخر بدا يائسا من قدرة القضاء الجزائري ونية السلطة في استرجاع الأموال المسروقة ومحاكمة المتهمين بالتهم المنسوبة لهم. واعتبروا أن إصدار القضاء الجزائري للمذكرة جاء فقط لذر الرماد في العيون، لخلو “المذكرة الحمراء” التي أصدرها الانتربول من اسم شكيب خليل وأفراد عائلته.
أخطاء إجرائية
ويقر الأستاذ فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، بعدم ورود اسم شكيب خليل في لائحة الإنتربول، وذلك بسبب الخطأ الذي وقع فيه جهاز القضاء على مستوى الإجراءات. وأضاف قسنطيني لـDWعربية، بأن شكيب خليل بحكم منصبه كوزير سابق يمتلك حق الامتياز القضائي، لذلك فليس من اختصاص المحكمة الابتدائية إصدار مذكرة توقيف دولية ضده.
وحسب رأيه، كان يجب قانونيا أن تقوم غرفة الاتهام لدى المحكمة العليا بدراسة الملف والـتأكد من التهم ثم إحالته على النيابة العامة لدى المحكمة العليا، لأنها تعتبر الجهة المخولة قانونا لإبلاغ الشرطة الدولية بأمر التوقيف الدولي الصادر ضده. وسلطات القضاء تعيد الآن تصحيح الأخطاء الإجرائية التي وقعت فيها وستصدر المذكرة لا حقا.
الفساد يهدد الدولة والمجتمع
ويعتبر مراقبون أن قضية شكيب خليل سياسية بالدرجة الأولى، تحاول الأطراف المختلفة استغلالها إعلاميا من أجل تحقيق مكاسب لخدمة توجهاتها على حساب الحقيقة التي يبحث عنها الشعب الجزائري.
ويؤكد الدكتور صالح سعود، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر3، أن الفساد في مؤسسات الدولة وصل إلى مستوى يهدد أمن المجتمع والدولة، وأن الآليات التي تعتمدها الدولة في محاربته غير ناجعة: “فتحميل شكيب خليل كل قضايا الفساد التي حدثت في مؤسسة سونطراك، يثبت عدم جدية مسعى السلطة والقضاء في محاربة الفساد، فالفساد يتجاوز الوزير الفاسد والهدف فقط هو استغلال القضية سياسيا وإخفاء بعض المتورطين الحقيقيين في القضية”.
ويرى الدكتور سعود أن محاربة الفساد لا تتم بالتشهير بالأشخاص وإنما بالوقوف على الحقائق كاملة وإزالة الأسباب المؤدية إلى ذلك. ويضيف سعود بأن “كل المؤشرات تدل على أن الرجل لم يكن وحده في الميدان”، معتبرا أن تداعيات هذه الخطوة ستمتد إلى ملفات أخرى وستجعل العديد من أقطاب السلطة في دائرة الاتهام، ولهذا فإنه حتى لو تم توقيفه، فإنه سيطلب بمحاكمة ذات طابع دولي، وهو ما سترفضه الجزائر دفاعا عن مكانتها وسمعتها الدولية.
حقيبة شكيب السرية
ويعتبر محمد يعقوبي، رئيس تحرير الشروق اليومي، أن إصدار العدالة لمذكرة اعتقال شكيب خليل وعائلته، دليل على أن رائحة الفساد بلغت أوجها في البلاد، وأن صانعي القرار اقتنعوا بأنه لا مناص من القيام بهذا الإجراء.
ويعتقد يعقوبي في حديثه لـDW عربية بأن سرعة القضاء الجزائري في إجراءات القبض على المتهم الرئيسي في فضيحة سونطراك، جاء بعد تهديد النائب العام الايطالي بأنه سوف يأتي بشكيب خليل مهما كلفه الثمن، ويضيف: “لذلك فهمت السلطة بأنه في حالة تسلم إيطاليا شكيب خليل فإن أسماء كبيرة سوف تسقط في الجزائر وأسرار البلد ستكون على صفحات وسائل الإعلام العالمية”، ويضيف يعقوبي “الحكومة جادة في إحضار شكيب خليل وغلق ملف الفضيحة بأقل الخسائر”.
ثمانية أشهر قبل انتخابات الرئاسة
وبخصوص علاقة ملف وزير النفط السابق بالانتخابات الرئاسية، يؤكد يعقوبي بأن هناك تداخلا بين ما هو قضائي وما هو سياسي، حيث توجد حرب خفية باردة بين أجنحة السلطة، وإلا كيف يتم فتح ملف القضية قبل ثمانية أشهر فقط من موعد الانتخابات الرئاسية؟ وبحسب يعقوبي: “هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها استغلال قضايا الفساد في الصراع على السلطة، وهذا يفسر عدم الاهتمام الشعبي بهذه القضية، وهي معركة لكسر العظام بين المتنافسين على السلطة”.
ويرى الإعلامي حسان زهار أن الملف عملية تصفية حسابات من جهات نافذة في السلطة تمس المحيطين بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة لإضعاف هذا الجناح في الانتخابات المقبلة.
ويرى توفيق بوحجار، مدير جريدة السلام، بأن السلطة الجزائرية جادة في مسعاها لمحاربة الفساد منذ فترة طويلة، وأن هذه المسألة تهم كل قطاعات المجتمع ومؤسسات الدولة، لكن هناك توظيف غير بريء لقضايا الفساد من الأطراف المتنافسة في كل موعد انتخابي بالجزائر. ويضيف بوحجار بأن هناك أطرافا داخل السلطة تقف ضد كل جهود محاربة الفساد، لأنها فواعل أساسية في تفريخ ورعاية الفساد وهي المستفيد الأول منه. ويرى بوحجار في حديثه لـDW عربية “فضائح سونطراك مؤامرة خارجية تم تنفيذها بأياد داخلية بهدف النيل من مؤسسة سونطراك وسمعتها الدولية”.