في عالم متغير يشهد صعود قوى كبرى مثل الصين والهند والبرازيل، تحاول فرنسا البقاء ضمن نادي الكبار وتجد في العالم العربي وفي إفريقيا فرصة من خلال تدخلاتها العسكرية أو نسج علاقات جديدة مع دول تعتبرها مركزية وعلى رأسها العربية السعودية. ويساهم المغرب في مساعي فرنسا وخاصة على المستوى الإفريقي.
وتعترف دراسات سياسية وأكاديمية فرنسية أن فرنسا في طريقها الى فقدان مركزها في نادي الكبار بسبب التطورات الدولية التي تصب في قوى وحضارات جديدة أغلبها الواقعة في المركز العالمي الجديد الذي انتقل من الأطلسي الى الهادي.
ولا تجد فرنسا منافسة فقط من طرف قوى مثل البرازيل والهند والصين بل حتى في الاتحاد الأوروبي بدأت تعاني من صعود المانيا التي لم تعد تقتصر فقط على القوة الاقتصادية بل تنتقل كذلك الى فرض تصوراتها السياسية أوروبيا د ودوليا. وقد اصطدمت مخططات فرنسا التي حاولت ترجمتها عبر الاتحاد الأوروبي في الملف السوري بالصخرة الدبلوماسية الألمانية.
وعملت فرنسا خلال سنة 2013 على تأكيد حضورها كقوة كبرى في ملفات متعددة بعدما فشلت سنة 2012 في نسج علاقات استراتيجية مع دولة البرازيل. وتحاول هذه المرة نسج علاقات مع دولة مركزية في العالم العربي والإسلامي وهي العربية السعودية بما يتعدى الاقتصادي وصفقات الأسلحة الى تنسيق في المواقف الدولية ومنها المشروع النووي الإيراني والملف السوري.
ويوجد تبادل للمصالح، فالعربية السعودية وفي ظل الخلاف مع بريطانيا والولايات المتحدة تحاول أن تجد في فرنسا الحليف حاليا لأنها تتمتع بحق الفيتو. ومن جهتها، تدرك باريس أن الرهان على الرياض هو الرهان على مجموعة من الدول التي تدور في فلك السعودية ومنها الخليج والأ{دن وبعض الدول الأسيوية.
وتبقى القارة الإفريقية هي المسرح التي تحاول فرنسا أن تؤكد حضورها كقوة تعمل على المساهمة في الاستقرار الدولي. فقد أنهت سنة 2012 وبدأت سنة 2013 بالتدخل في مالي للقضاء على تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي، وهي العملية التي كانت سهلة نسبيا ولم تكلف باريس الكثير من الأموال والأرواح.
وأنهت سنة 2013 بالتدخل خلال ديسمبر الماضي في جمهورية إفريقيا الوسطى للفصل في نزاع يتخذ أبعادا دينية بالمواجهة بين المسيحيين والمسلمين.
ويعتبر المغرب حليفا استراتيجيا لفرنسا في سياستها الجديدة لاسيما بعدما أحس “بتخلي واشنطن عنه” في ملف الصحراء كما حدث في محاولة فرضها مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء عن طريق قوات المينورسو.
ورافق المغرب فرنسا في التدخل العسكري في مالي بما يتجاوز الترخيص للطائرات العسكرية الفرنسية بالمرور من الأجواء المغربية نحو هذا البلد الإفريقي، بل يجري الحديث عن مشاركة فعالة لوحدات من الكوماندوهات مغربية ودعم استخباراتي قوي.
ويعود المغرب الى الوقوف الى جانب فرنسا في تزعمها للقوات العسكرية الأممية في جمهورية إفريقيا الوسطى من خلال إرسال تجريدة عسكرية لم يكشف المغرب عن عددها عكس الدول الأخرى.
ويتوفر المغرب على هامش من الحرية في التحرك في إفريقيا والوقوف الى جانب فرنسا. ويتجلى العامل الأول في رغبة المغرب في العودة الى المساهمة في تدبير شؤون القارة الإفريقية بعد غياب طويل بسبب عضوية البوليساريو في الاتحاد الإفريقي. والعامل الثاني يتجلى في أن عدم عضويته في الاتحاد الإفريقي يسمح له بمناورة أكبر بينما الدول الأعضاء في الاتحاد لا تستطيع اتخاذ المبادرة بدون العودة الى قرارات الاتحاد.