أصبح اليساري غابرييل بوريك الرئيس الجديد لدولة التشيلي بعدما حقق فوزا عريضا على منافسه من اليمين القومي المتطرف بفارق أكثر من عشرة نقاط. وبهذا يتعزز اليسار في أمريكا اللاتينية بعد مرحلة من حكم اليمين. ويتميز الرئيس الجديد بتعاطف استثنائي مع القضايا العربية ومنها القضية الفلسطينية، حيث وصف مؤخرا إسرائيل بدولة الإبادة”.
وشهدت التشيلي الأحد 19 ديسمبر الجاري الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وعاد الفوز الى مرشح اليسار الراديكالي غابرييل بوريك بقرابة 56% من الأصوات متقدما بقرابة 12 نقطة عن منافسه من اليمين أنتونيو كاست الذي حصل على 44%. وتميزت هذه الانتخابات بانقسام وسط التشيلي بين مؤيدي اليمين وأنصار اليسار الى مستوى أن الصحافة تحدثت عن نسخة من المواجهة العنيفة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بين أنصار جو بايدن وأنصار دونالد ترمب.
وكان المرشح اليميني قد فاز في الجولة الأولى من الانتخابات واحتل غابرييل المركز الثاني، إلا أن الناخب في التشيلي انتفض ومنح الفوز للزعيم الطلابي السابق القادم من ساحات الاحتجاج والنضال المباشر ضد سياسات اليمين التي شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة. وهذه أول مرة يفوز فيها صاحب المركز الثاني بالانتخابات
وكان غابرييل بوريك قد رفض الترشح للانتخابات الرئاسية مبررا ذلك بأنه لا يمتلك الخبرة الكافية لتسيير البلاد، لكنه قبل في آخر المطاف وانتصر في الانتخابات الداخلية لليسار الراديكالي في البلاد ممثلا “للجبهة الموسعة” التي تأسست سنة 2017 وتضم أطياف اليسار. وخلق المفاجأة في انتخابات هذا الأحد بالفوز برئاسة البلاد بفضل برنامج سياسي واقتصادي ذو توجه اجتماعي محض في مواجهة الليبرالية المتوحشة الذي فرضها الرئيس الذي انتهت ولايته سيباستيان بنييرا.
ويشكل فوز هذا السياسي الشاب البالغ من العمر 35 سنة برئاسة البلاد منعطفا كبيرا في تاريخ التشيلي بل وكذلك في أمريكا اللاتينية لأنه لم يعش مرحلة الدكتاتورية التي فرضها الجنرال أوغوستو بينوتشي، أي ينتمي الى جيل يأخذ يعطي أهمية للاعتبارات السياسية التي تحكمت في القوى الديمقراطية سواء اليسارية أو الليبرالية في أمريكا اللاتينية. ومن ضمن هذه المعطيات أن جيل غابرييل بوريك قطع مع الحساسيات والاعتبارات التي تحكمت في اليسار التقليدي الذي كان دائما مترددا في الكثير من القضايا. في الوقت ذاته، هذا الفوز هو ترجمة لمطالب الشعب بإنهاء خوصصة (خصخصة) عدد من القطاعات العمومية مثل الكهرباء والماء وجزء من القطاع الصحي حيث كانت العائلات في التشيلي في الغالب تعيش في وضع اقتصادي مقبول للغاية لتصبح غارقة في القروض.
ويعد هذا الانتصار بمثابة عودة قوية لليسار في أمريكا اللاتينية التي تتواجد في عدد من دولها أنظمة يسارية مثل المكسيك والأرجنتين والبيرو وفنزويلا وكوستاريكا وبنما وبوليفيا وينتظر سقوط اليميني في البرازيل بولسونارو وعدة الرئيس اليساري لولا دا سيلفا الى الرئاسة. وتدرك واشنطن أن عودة اليسار الى مراكز السلطة في أمريكا اللاتينية يعد انفتاحا أكثر على الصين اقتصاديا وروسيا عسكريا.
في الوقت ذاته، عودة اليسار يعني دفعة قوية لبعض القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، حيث كانت تراهن إسرائيل على اليمين لنقل سفارات هذه الدول الى القدس. وعلاقة بهذا الموضوع والرئيس الجديد في التشيلي، يعد غابرييل بوريك من أشد أنصار القضية الفلسطينية. وقال يوم 7 أكتوبر الماضي في مقابلة تلفزيونية “نعم إسرائيل دولة إبادة ودولة إجرامية يجب أن ندافع حقوق الإنسان مهما كانت قوة الدول”. وكان قد أيد بقوة استيراد البضائع من الأراضي التي تحتلها إسرائيل في فلسطين. وتحتضن التشيلي أكبر جالية فلسطينية في العالم، ويعد تشيليون من أصل فلسطيني من نشطاء “الجبهة الموسعة”، وبدون شك سيتولى سياسيون من أصل فلسطيني حقائب وزارية.