عقد المغرب وإسبانيا يومي 1 و2 فبراير الجاري قمة ثنائية هي الأولى من نوعها بعد سبع سنوات من التأجيل بسبب المشاكل الثنائية، وحضر ملف سبتة ومليلية المحتلتين والصحراء بثقل وازن وإن كان البيان الختامي للقمة لم يعكس هذا الحضور علانية بل لجأ الى المناورة تلبية وترضية لكل طرف.
ورافقت القمة تصريحات متفائلة تعطي الانبطاع وكأن البلدان مقبلان على مرحلة من الحوار العميق الذي سيكون سدا في وجه المشاكل التي قد تنفجر مستقبلا، بينما قراءة نتائج مختلف القمم الثنائية تبرز أن كل قمة تعمل على حل المشاكل العالقة أكثر منها النظر الى المستقبل. وتعد الاتفاقيات الموقعة في القمة عادية جدا ولم تأتي بجديد بل هي مجرد تحيين للاتفاقيات السابقة التي تشمل كل القطاعات من محاربة الهجرة ومحاربة الإرهاب والإجرام المنظم. وشهدت الحالية مثل القمم السابقة تناقضات، ومنها أن إسبانيا تطالب بالرفع من حضور اللغة الإسبانية في التعليم العمومي المغربي لكنها في المقابل لا تمنح التأشيرات الكافية للطلبة المغاربة للدراسة في الجامعات الإسبانية. في الوقت ذاته، وكل مرة تتعهد برفع الاستثمارات، بينما لا تحتل إسبانيا ومنذ سنوات المراكز الخمس الأولى ضمن لائحة المستثمرين. يحدث الخلط أن يتم احتساب فوز شركة إسبانية بصفقة لإنجاز طريق أو شيء مشابه بأنه استثمار، وهو ليس بالإستثمار بل القيام بخدمات. ولعل المفارقة هو أن إسبانيا تحولت الى الشريك التجاري الأول للمغرب، بينما لم يقدم أي بنك إسباني على فتح فرع له أو شراء جزء من رأسمال أي بنك مغربي ياستثناء حصة بسيطة لسانتندر في بتك مغربي.
لقد كان منتظرا من القمة الحالية تحقيق مكسب رمزي يرافق ما تروج له بعض الأوساط باعتراف إسبانيا بمغربية الصحراء، وهو تنازل مدريد عن عن مراقبة المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب. غير أن هذا الحدث الذي كان سيعطي للقمة معنى أكبر، خاصة بالنسبة للمغاربة لم يحدث، علما أن عدد من الأقلام المقربة من دوائر القرار في المغرب ركزت على هذا المعطى وروجت قبل القمة وكأنه مكسب مضمون مسبقا. كما كان منتظرا تحقيق قفزة نوعية في الخلاف القائم حول الحدود البحرية بين الصحراء وجزر الكناري، ولم يختلف الأمر عن القمم السابقة خاصة منذ عشرين سنة عندما تم الاتفاق على لجنة مشتركة لدراسة هذا الملف. ومرت أكثر من عشرين سنة، وكل قمة تعمل على تحيين اللجنة جون مكاسب.
وإذا كانت الأحزاب السياسية في إسبانيا تناقش وبحدة نتائج القمة، ومنها لماذا لم يستقبل ملك المغرب محمد السادس رئيس حكومة إسبانيا بيدرو سانشيز وما هو الجديد في ملف تحويل سبتة ومليلية إلى نقطتين جمركيتين؛ يسود وسط المشهد الحزبي المغربي صمت، وهو صمت لا يعني بالضرورة الوفاق والقبول بنتائج القمة، بل نوع من التساؤل الممزوج بالدهشة لاسيما فيما يخص ملف سبتة ومليلية. وهذا التساؤل تعكسه أشرطة فيديو نشطاء التواصل الاجتماعي في المغرب التي تطرح الموضوع بحدة.
وهذا يجر الى التساؤل: هل قبلت الدولة المغربية، ولو مؤقتا بصيغة “تفهم إسباني لحقوق المغرب في الصحراء مقابل صمت في ملف سبتة ومليلية”؟ في البدء، توجد وسط إسبانيا ثلاث تيارات في رؤية هذا الملف، وهي: أولا، تيار يريد حرمان المغرب من سبتة ومليلية والصحراء تحت ذريعة أنه العدو التاريخي الذي يجب إضعافه دائما. وآخر يريد إعادة سبتة ومليلية ودعم المغرب في الصحراء، وثالث، يريد تفهم مطالب المغرب في الصحراء شريطة صمت مؤقت أو دائم للرباط عن سبتة ومليلية. ويحدث هيمنة تيار من الثلاثة في فترة زمنية، وتبقى الغلبة دائما للتيار الثاني والثالث بينما أنصار التيار الأول لم يعد لهم حضور في “الإستبلشمنت الإسباني”.
وغالبا ما يجسد الحزب الاشتراكي الإسباني في السلطة التيار الثالث، أي تفهم مطالب المغرب في الصحراء مقابل صمت في ملف سبتة ومليلية. ويحقق للدولة الإسبانية مكاسب حقيقية في ملف المدينتين، بينما تتراجع مدريد عن دعم موقف المغرب في الصحراء عندما يصل اليمين الى السلطة ممثلا في الحزب الشعبي. في هذا الصدد، أبدى رئيس الحكومة الأسبق فيلبي غونثالث في بداية التسعينات تفهما لمطالب المغرب في الصحراء، وفي المقابل جعل المغرب يقبل على مضض منح الحكم الذاتي لسبتة ومليلية، وحدث أن جاء اليميني خوسي ماريا أثنار للسلطة وتراجع عن دعم المغرب في الصحراء بل وتبنى سياسة متشددة تجاه المغرب ومنها الأزمة الخطيرة في جزيرة ثورة.
وتولى الاشتراكي خوسي لويس رودريغيث سبتيرو رئاسة الحكومة ابتداء من 2004 الى 2011، وتفهم مطالب المغرب في نزاع الصحراء لكنه فرض زيارة الملك خوان كارلوس الى سبتة ومليلية خلال نوفمبر 2007، علما أن زيارة كبار المسؤولين الإسبان كان خطا أحمرا للمغرب، وتلاشى الخط الأحمر. وكان سبتيرو السياسي الوحيد الصادق في دفاعه عن مغربية الصحراء بعيدا عن مناورات غونثالث وشانيز.
وتولى اليميني ماريانو راخوي رئاسة الحكومة ما بين 2011 إلى 2018، وقام وزير خارجيته غارسيا مارغايو سنة 2013 بتهديد قطع العلاقات مع المغرب إذا طرحت الرباط ملف سبتة ومليلية، وتراجع الحزب الشعبي عن دعم موقف المغرب في الصحراء.
واعتبر رئيس الحكومة الحالي بيدرو سانشيز الحكم الذاتي حلا واقعيا لنزاع الصحراء، لكنه أول رئيس حكومة يعلن أنه طلب من ملك المغرب محمد السادس عدم الحديث عن إسبانية سبتة ومليلية، ويقنع الدولة المغربية بتحويل سبتة ومليلية إلى نقطتين جمركيتين. ويبقى المثير هو إسهاب المسؤولين في الحديث عن جمركة سبتة ومليلية طيلة الثلاثة أسابيع الأخيرة وكأنه انتصار تاريخي كبير. لم يعد بعد اليمين الى السلطة، لكن الحزب الشعبي اليميني الذي يتناوب على السلطة مع الحزب الاشتراكي أعلن زعيمه نونييث فايخو عدم التزامه بأي تعهد يكون سانشيز قد أعطاه للمغرب في ملف الصحراء.
في غضون ذلك، وبعيدا عن التصريحات البروتوكولية وفي انتظار النتائج، يستمر تساؤلان بدون جواب، الأول، لماذا قبل المغرب بتحويل سبتة ومليلية إلى مركزين جمركيين؟ لاسيما سبتة التي لم يسبق منذ خمسة قرون ان كانت مركزا جمركيا رغم التهريب الذي كانت تشهده الحدود. والتساؤل الثاني: إذا كانت إسبانيا قد قبلت بمبدأ مغربية الصحراء، لماذا لم تفوت للمغرب على الأقل صلاحية تسيير المجال الجوي للصحراء المغربية؟