قررت لجنة “جائزة رائف بدوي الدولية للصحفيين الشجعان” منح الصحفي المغربي علي أنوزلا جائزة هذا العام 2015. وفي حوار حصري مع DW عربية بهذه المناسبة يفصح علي أنوزلا عن سبب شعوره بالفخر والحزن في آن واحد لنيله هذه الجائزة.
قررت لجنة “جائزة رائف بدوي الدولية للصحفيين الشجعان” منح الصحفي المغربي علي أنوزلا جائزة هذا العام 2015. وأعلنت اللجنة الألمانية المستقلة المنبثقة عن الرابطة الدولية للإعلام (إيما) منح الجائزة للصحفي المغربي اليوم السبت 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، وذلك في إطار فعاليات معرض فرانكفورت الدولي للكتاب المقام في مدينة فرانكفورت الألمانية. وقال علي أنوزلا في حوار مع DW بهذه المناسبة: “ما ينتابني الآن هو شعور مزيج من الفخر والحزن. فخور لأنه مازال هناك في عالم اليوم من يفكر بأن الكفاح من أجل قيم الحرية والديمقراطية يستحق أن يكافئ عليه وينوه بمن اختاروا طريقه الصعب”. وفي آخر هذا المقام بالإمكان قراءة كامل الحوار. ومن المقرر تسليم الجائزة في الـ 13 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 برلين، في الملتقى الإعلامي “الكرة الإعلامية الاتحادية”، وهو تجمع سنوي لممثلي وسائل الإعلام.
وتعتبر اللجنة الألمانية المستقلة المنبثقة عن الرابطة الدولية للإعلام علي أنوزلا من الصحفيين القلائل المستقلين في المغرب، لأنه يغطي باستمرار عبر تحقيقاته الصحفية انتهاكات حقوق الإنسان، متجرئا على تجاوز التابوهات في منطقته ومنتقدا سياسات بلده، وطارحا علامات استفهام مثلا على الطريقة التي يدير بها المغرب ملف الصحراء الغربية الواقعة جنوب البلاد. ووفقا للمراقبين له فقد أدخلته هذه الجرأة في سبتمبر/ أيلول 2013 في مواجهة تم فيها رفع دعوى ذات دوافع سياسية تتهمه بدعم مزعوم لـ “الإرهاب”، وهو ما جعل أنوزلا يواجه عقوبة احتجاز في السجن تصل إلى 20 عاما.
واعتبر الألماني كونستانتين شرايبَر عضو الرابطة الإعلامية الدولية (إيما) – وناشر كتاب “ألف جلدة” الألماني المتضمن نصوصا كتبها الناشط السعودي رائف بدوي – أن علي أنوزلا قد حاز الجائزة عن استحقاق وقال في هذا السياق في بيان صحفي حصلت DW على نسخة منه: “بقرارها مَنْحَ علي أنوزلا الجائزة فقد اختارت اللجنة صحفيا شجاعا لا تقتصر أعماله على البحث الاستقصائي في خلفيات الأحداث بل قد تم اختياره للجائزة باعتباره أيضا متحديا للمؤسسة الملكية في المغرب لا يضاهيه في تحديه لها أي شخص غيره”. مضيفا أن “هذا الاختيار يعتبر أيضا بمثابة إشارة لجميع قوى الإصلاح في المغرب، الذي يقع في مكانة منخفضة على قائمة حرية التعبير التي أصدرتها منظمة ‘مراسلون بلا حدود’ عام 2015″، ويقول: “بوقوعه في الترتيب الـ 130 من أصل 189 بلدا فإن المغرب يكون هذا العام أقل ترتيبا حتى من أفغانستان”.
وتتكون لجنة التحكيم من ثمانية أعضاء بارزين في المشهد الإعلامي الألماني وهم: المدير التنفيذي لشركة تويتر في ألمانيا روان بارنيت، ومدير تحرير قناة شمال ألمانيا الإعلامية (إن آر دي) أندرياس كوتشوفيتش، ومراسلة وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) آنه بياتريس كلاسمان، ومدير تحرير مجلة دير شبيغل الألمانية فلوريان هارمْس، ورئيس تحرير موقع شتيرن الألماني فيليب يسين، ومدير تحرير موقع بيلد الألماني يوليان رايشيلت، ومدير تحرير موقع تسايت الألماني يوخن فاغنر ورئيس تحرير دي-دبليو- دي-إل الكسندر كراي.
وإلى جانب علي أنوزلا كان مرشحا لنيل الجائزة كلٌّ من: مركز البحرين لحقوق الإنسان، وصحيفة “مدى مصر”، والصحفي الليبي رضا فحيل البوم، والمؤسسة اللبنانية غير الحكومية “سمير قصير”. وكان اختيار لجنة التحكيم تم في لقاء مناقشة حول “حالة رائف بدوي” أجرته الرابطة الدولية للإعلام “إيما” بالاشتراك مع الرابطة الألمانية للناشرين والمكتبات ومؤسسة فريدريش ناومان الألمانية، يشار إلى أن الجائزة مدعومة أيضا من قبل منظمة مراسلون بلا حدود.
ويكتب الصحفي البارز علي أنوزلا أيضاً مقالات لمواقع صحفية ألمانية مثل موقع DW (دويتشه فيله) وموقع قنطرة للحوار مع العالم الإسلامي، وهنا نص حوار حصري لـ DW مع الكاتب المغربي بمناسبة حصوله على “جائزة رائف بدوي الدولية للصحفيين الشجعان”:
DW عربية: بماذا شعرتَ حِينَ أُعْلِمتَ بمنحك جائزة “رائف بدوي” الدولية للصحفيين الشجعان؟ ماذا تعني لك هذه الجائزة؟
علي أنوزلا: ما ينتابني الآن هو شعور مزيج من الفخر والحزن. فخور لأنه مازال هناك في عالم اليوم من يفكر بأن الكفاح من أجل قيم الحرية والديمقراطية يستحق أن يكافأ عليه وينوه بمن اختاروا طريقه الصعب. وحزين في نفس الوقت لأن الشاب السعودي الذي تحمل اسمه هذه الجائزة يقبع في سجن واحد من أكثر الأنظمة سوءا في احترام حقوق الإنسان. أما الجائزة فهي اعتراف آخر على أن طريق الصحافة المستقلة والمهنية في بيئة لا تساعد على ذلك، هو اختيار صائب بالرغم من كل المصاعب التي قد تعترضه.
ماذا تقول لمن ليس مقتنعاً بعد باستحقاق أن تحمل هذه الجائزة اسم “رائف بدوي”؟ وماذا مثلت بالنسبة لك قضيته؟
علي أنوزلا: رائف بدوي هو شاب كان يمكن أن يعيش حياة مرفهة في واحد من أغنى بلدان العالم، لكن بما أنه صاحب رأي فهو يدفع اليوم ثمن جرأته على التعبير عن رأيه، وتحول اسمه إلى رمز لشجاعة الرأي. نحن في حاجة إلى من يقدم المثل والنموذج للشباب صاحب الفكر الحر والمستقل والشجاع، ورائف بدوي، في محنته يختزل كل هذه القيم النبيلة قيم الحرية والاستقلالية والشجاعة.
من هو الصحفي الشجاع في نظرك؟
الشجاعة أمر نسبي، وبالنسبة لي الشجاعة هي القدرة على استعمال العقل عندما يخاف القلب. عندما تُدافع عن أفكار كونية وقيم إنسانية فأنت لا تحتاج أن تكون شجاعا، يكفي فقط أن تكون مقتنعا بما تقوم به فهذا هو الذي يجعلك متميزا في نظر الآخرين. وكما يقول أرسطو: “ليست الشجاعة أن تقول ما تعتقد، إنما الشجاعة أن تعتقد كل ما تقول”. ويبقى في نظر الصحفي الشجاع هو ذلك الذي يستخدم ملكة العقل في الشك وفي طرح الأسئلة وفي الاعتذار عند الخطأ.
ما هي أكثر تجاربك الشخصية الصحفية التي شعرت فيها بأنك مهدد بدفع ثمن باهظ جراء شجاعتك الصحفية؟
عندما تكون تمارس مهنة توصف بأنها “مهنة المتاعب” في بلد لا توجد فيه الضمانات القانونية والقضائية الكافية لحماية الصحفيين، فإن كل خطوة يمكن أن تكون خطيرة على صحابها. نحن نشتغل في مناخ الحرية تخضع فيه لمزاج الحاكم، وبالتالي فما يمكن أن يكون اليوم متاحا ربما قد يتحول غدا إلى محظور. والصحافي مطالب أن تكون له حاسة سادسة قادرة على التكيف مع تقلبات مزاج السلطة.
ليس لدي أي خوف من النقد، خاصة النقد المبني على الحجج والأدلة الموثقة، وليس لدي أي خوف من التعبير عن الرأي بكل حرية وجرأة مادمت احترم أخلاقيات المهنة والقوانين الجاري بها العمل. الخوف ينتابني دائما عندما أكون بصدد التحقيق في موضوع حساس، الخوف من عدم التدقيق في المعلومة وتمحيصها، الخوف من التلاعب بي من طرف المصادر.
هذا الشعور انتابني عندما كنا بصدد معالجة فضيحة الإسباني الذي اغتصب 11 طفلة قاصرة مغربية وصدر في حقه عفو ملكي. كنا ندرك حساسية وخطورة الموضوع، وكنا ندرك صعوبة تمحيص المعلومات الشحيحة التي توفرت لدينا، وكنا أمام عامل الزمن الذي كان يضغط علينا بقوة، وكنا أمام الهجوم الذي شنته السلطة علينا من خلال وسائل إعلام موالية لها كذبت في البداية روايتنا، وكنا أمام ضغط الرأي العام الغاضب، وكنا أمام محك مصداقيتنا ومهنيتنا، وكنا قبل كل شيء نعرف أننا وضعنا أنفسنا في مواجهة النظام الذي خدشنا كبريائه، لذلك كنا نتوقع ردة فعله الغاضبة والتي لم تتأخر، فبعد شهر ونصف من هذه الفضيحة التي هزت صورة النظام اعتقلت ووجهت لي تهمة الإشادة بالإرهاب وتقديم الدعم المادي له!
أين أنت يوم 17 / 10 / 2015 حين يتم الإعلان في فرانكفورت عن استحقاقك الجائزة؟ وهل ستحضر إلى برلين في يوم 13 / 11 / 2015 لتسلمها؟
يوم السبت 17 أكتوبر قررت اللجنة الوطنية للتضامن مع المعطي منجب، وهو ناشط مدني مضرب عن الطعام منذ 13 يوما احتجاجا على مجموعة من المضايقات التي يتعرض له من طرف السلطة بسبب آرائه ومواقفه المدافعة عن حرية الرأي والتعبير، أن تتضامن رمزيا معه، من خلال تنفيذ يوم إضراب جماعي عن الطعام. وبما أني عضو سكرتارية هذه اللجنة فسأكون مضربا عن الطعام في مقر “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” التي يعتصم بها منجب، إلى جانب كل من سيشارك في هذا العمل التضامني الرمزي.
أما يوم 13 نوفمبر فسأكون سعيدا لو تمكنت من السفر للحضور إلى برلين لشكر الساهرين على هذه الجائزة على تكريمهم لي، وأيضا لأشد على أيدي زوجة بدوي وأحيي شجاعتها، وأعلن عن انخراطي في معركتها من أجل أن ينال زوجها حريته. لكن صراحة لا أعرف ما إذا كان سيكون بإمكاني السفر، لأن قاضي التحقيق المكلف بالإرهاب في المغرب وجه لي استدعاء جديدا قبل يومين لاستئناف التحقيق معي في نفس الموضوع الذي اعتقلت من أجله عام 2013. أتمنى أن يكون الأمر مجرد صدفة سيئة وأن لا يحول ذلك دون سفري. وفي كل الحالات فإن التزامي بالدفاع عن حرية بدوي أصبح جزءا من نضالي اليومي إلى أن ينال حريته ويعود إلى أسرته الصغيرة.