عشر سنوات صعبة.. المصريون ساخطون على السيسي ومخاوف من إفلاس البلاد كما في عهد الخديوي إسماعيل

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

رت مجلة “إيكونوميست” تقريرا حول الوضع في مصر، قائلة إن المصريين ساخطون على الرئيس عبد الفتاح السيسي، لكنهم خائفون مما ستجلبه انتفاضة أخرى.
وقالت المجلة إن السيسي “وعد كثيرا وبنى عاصمة جديدة وحفر قناة السويس، ووسع مملكته بجسور (كباري) وسكك حديدية. لكن متابعة الخديوي إسماعيل لمشروع الحداثة أدى لإفلاس مصر. وكان عليه أولا أن يبيع قصوره الثمينة، ثم خسر حصته في قناة السويس وخسرت مصر في النهاية سيادتها بالكامل. وكل ما تبقى من قصوره العظيمة في المدينة القديمة بالقاهرة حيث ولد عام 1830، هو ركام من الأنقاض يخفي وراءه الكلاب الضالة وشبانا يحقنون أنفسهم بالمخدرات”.
و”اليوم يشعر المصريون بالخوف من أنهم يعيشون حكاية حزينة لديكتاتور لديه وهمٌ مشابه بالعظمة، عبد الفتاح السيسي، المشير الذي تولى زمام السلطة بعد انقلاب تحل ذكراه العاشرة الشهر المقبل. وأعلن السيسي مرة أنه سينشئ “جمهورية جديدة”، وفتح تفريعة موازية لقناة السويس، وبنى عشرات من شبكات السكة الحديدية كلفت مصر 23 مليار دولار، ومئات الجسور وعاصمة جديدة لامعة في ضواحي القاهرة بكلفة 58 مليار دولار، تحتوي على أطول بناية في أفريقيا ستكتمل قريبا، ولكن السيسي كان يدفع الاقتصاد نحو الحضيض”.
وباتت خدمة الديْن تأكل نصف الميزانية، وارتفعت معدلات التضخم للمواد الغذائية إلى 60%. وقال مدير بنك متقاعد لاعناً السيسي حيث ينزلق هو وعائلته مثل الكثير من المصريين نحو الفقر: “لا نستطيع أكل الكباري”.
وترى المجلة أن السسيسي حقق جزءا مما وعد، حيث تقول إنه أنقذ مصر من فوضى الربيع العربي الذي أدخل البلاد في فوضى بعد انتخاب رئيس إسلامي لم يحكم سوى سنة اتسمت بالفوضى والعجز. كما أخرج السيسي البلاد من حالة التكلس التي شهدتها في عهد الحاكم العسكري، حسني مبارك، واهتم بشكل محموم بالبنية التحتية المتهالكة.
وبدأ المرحلة الأولى في مشروع القطار السريع الذي سيبدأ من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر. وتظهر اليافطات على طريق المطار صورا “طريق سريع طوله 4800 كيلومتر”.
وتقول المجلة إن البلاد في عهد السيسي بدأت تعمل بمدى ما، أحسن، رغم زيادة عدد السكان بـ3 ملايين نسمة كل عام، حيث أصبح عدد السكان 106 ملايين نسمة. وزادت الرقمنة في المؤسسات الحكومية من التعامل مع الطلبات التي كانت تقبع في المؤسسات لمدة طويلة، كما أن مدة الانتظار في المستشفيات قلت حسبما يقول المسؤولون.
وتعلق المجلة أن السيسي خالف تقاليد قديمة، مثل التي تمنع إصلاح الكنائس، حيث رمي التنظيمات المتعلقة بها، والآن تعلو قباب الكنائس القبطية فوق البلدات على طول دلتا النيل. وتراجع الختان الفرعوني للبنات الصغيرات بسبب العقوبات القاسية، كما دعم إصلاحات تطالب بمنح المرأة نصف ميراث الرجل، خلافا للقرآن. وخلعت الكثير من النساء النقاب، بل خلع بعضهن الحجاب بالكامل. والسبب راجع إلى التطبيقات على الهواتف مثل “أنا نازل” لموعد والذي أصبح منتشرا الآن.
كل هذا لا يعني أن الحياة سهلة في مصر، فكلفة المعيشة من الصعب تحملها. ففي ظل السيسي، تضاعف الديْن الخارجي بالنسبة للناتج المحلي العام. وأدت عدم الثقة بالاقتصاد المصري لهروب المستثمرين الأجانب الذين سحبوا 20 مليار دولار في التسعة أشهر الأولى من العام الماضي.
وفي ظل السيسي أيضا، فقد الجنيه المصري ما بين خُمس إلى سُدس قيمته. وفي بلد يستورد كل احتياجاته الضرورية، زادت معدلات التضخم. وارتفع سعر الأدوية المضادة للاكتئاب منذ نيسان/أبريل. وأصبحت العملة الصعبة نادرة، لدرجة أخّرت مصر الشهر الماضي دفع ثمن القمح. ويُنتظر من مصر سداد ديون كبيرة، مما يعني تقلص الحصة في الميزانية المخصصة للتعليم والصحة.
وبحسب الأرقام، فإن نصف المصريين سيعتبرون فقراء، ويطالب عناصر الشرطة بالبخشيش، ويطيع القضاة الحاكم. وفي الوقت الذي تظهر اليافطات حياة سعيدة في مدن السيسي الجديدة، إلا أن المصريين باتوا يتذمرون بصراحة. ولا يمكن للسيسي سجن كل الناس وفي وقت واحد، حيث يُعتقد أن هناك 60 ألف شخص خلف القضبان لأسباب سياسية.
وبدأت الاستعدادات لانتخابات الرئاسة، وولاية ثالثة للسيسي في الأقاليم، إلا أن عدم شعبية السيسي واضحة، وقال أب في القاهرة إن السيسي “يتحكم بكل شيء، فلماذا لا يتحكم بالأسعار؟”. ويقول البعض إنه لو سُمح لنجل حسني مبارك، جمال بالترشح ضد السيسي فسيفوز. وهناك من ينشر مزايا الإسلامي حازم أبو إسماعيل السجين.
ويقترح مشجعو كرة القدم ترشيح محمد صلاح، لاعب ليفربول. وذكر البعض اسم نجل الملك فاروق، فؤاد، المقيم في سويسرا من بين المرشحين مع أن لغته العربية ليست صحيحة.
وهناك غضب ضد الجيش، عصب الدولة منذ سقوط الملكية في عام 1952. ويزعم منهدسو الجيش أنهم أكثر حرصا على الناس وفعالية وأقل فسادا من نظرائهم في القطاع الخاص. ولديهم ميزة على القطاع الخاص؛ لأن الجيش لديه مجندين يمكنه استخدامهم في مشاريعه. إلا أن الجنرالات الذين حلّوا محل التكنوقراط، كانوا حفنة من الجشعين.
وفي دراسة ليزيد صايغ من مركز كارنيغي بيروت، أظهرت أن الجيش يقوم بتوسيع نشاطاته التجارية والاقتصادية. وقال صحافي: “يُنظر إليهم بأنهم يسعون وراء مصالحهم وليس البلد”.
وقالت المجلة إن السيسي عاد لحيلته القديمة، حيث أعلن الشهر الماضي عن الحوار الوطني، مع أنه أعلن عنه العام الماضي. ومن ناحية نظرية، كان يبحث عن مقترحات من الناس، وتم اختيار المشاركين في الحوار، واستُبعد منه الإخوان المسلمون الذين فازوا بانتخابات عام 2012، ومُنح كل مشارك بضع دقائق، وبدا كل الأمر وكأنه تمثيلية.
وفي الوقت نفسه، ينتظر المانحون بصبر، تنفيذ السيسي وعوده بخصخصة 32 شركة تابعة للجيش، ولم يحدث هذا بعد. وقال موال للنظام: “علينا حماية وظائف المصريين”، فيما علّق دبلوماسي مخضرم، أن الجيش هو “فرنكشتاين” ولن يتخلى عن الاقتصاد.
وبالنسبة للإسلاميين، فربما رغبوا بالانتقام، وقال مصرفي إسلامي عانى الكثير: “لقد قتلوا رئيسنا”، في إشارة لمحمد مرسي الذي توفي في السجن عام 2019.
ونظرا لعدم ثقة السيسي بجنرالاته، فإنه يقوم بتغيير وظائفهم بشكل منتظم. وربما كان راغبا بالحدّ من سلطة محمود حجازي، وهو صهر ابنه. ويقال إن الرئيس ينام في مكان مختلف كل ليلة، وفي النهاية، لديه الكثير من القصور ليختار.
وطالما اعتمدت مصر على دول الخليج لإنقاذها، حيث قدمت للسيسي منذ وصوله إلى السلطة حوالي 100 مليار دولار على شكل منح ووقود رخيص وقروض. إلا أن شيوخ الخليج باتوا يشعرون باليأس، ولم يرسلوا في الأعوام القليلة إلا دعما صغيرا، بحسب دبلوماسي غربي. وبدلا من الإنقاذ فهم يريدون الاستحواذ. وربما يتم وضع قصر الخديوي في الجزيرة مرة أخرى في سوق العقارات. وهناك همس بأن مصر مستعدة لتأجير قناة السويس لمدة 99 عاما مقابل تريليون دولار.

Sign In

Reset Your Password