يعيش المغرب ارباكا سياسيا وتحولات وأحزاب تائهة في صراعاتها الداخلية ومصالحها الشخصية في ظل اضطرابات وغليان اجتماعي، لم يصل حتى الآن ليكون شاملا، لكنه مناطقية وفئويا بات ملموسا، من حراك الريف إلى حراك جرادة إلى اضرابات الأساتذة والطلبة، مع ارتفاع نسبة البطالة ومحاولات كثيفة للهجرة السرية، في عالم وإقليم متحرك.
“القدس العربي” التقت المفكر المغربي الدكتور عبد الله ساعف، استاذ العلوم السياسية والاجتماعي ورئيس مركز للابحاث بالإضافة إلى كونه وزيرا سابقا (1998-2002) وأحد أبرز المفكرين اليساريين في المغرب.
*باستحضار جدلية اليسار واليمين، هل هناك يمين على المستوى السياسي في المغرب؟
**ما زالت في المنطقة وفي الحقل السياسي قوى يمكن أن نسميها يسارا، تختلف عما كانت أدوارها في مراحل سالفة، تختلف ملامحها ووجودها الفيزيائي والمعنوي داخل المجتمع لكنها موجودة، الجانب التنظيمي عرف محطات مختلفة، للأسف ليس في اتجاه التراكم الذي يمكن أن نسميه إيجابيا، لم يكن هناك جدل يمكنه أن يزيد في توسيع التأثير في الساحة خاصة بعد الانهيارات التي وقعت على المستوى العالمي في الجسد الاشتراكي اليساري بشكل عام في التسعينات، حيث اختفت أنظمة بكاملها، صعود الليبرالية والنيوليبرالية، ليس الصعود بل اكتساحها لحقل اليسار والتخلي عن بعض الأطروحات التي كانت محددة لهوية اليسار، حيث تم الانتقال في بضع سنوات من منظومة فكرية تعتمد على القطاع العام وعلى الدور الاستراتيجي للدولة، إلى آخره، إلى مواقف عملية تتعامل مع الخوصصة والقطاع الخاص، والاندماج في الاقتصاد العالمي. هناك يسار ما بعد التناوب، فقد قيل بأن الجهات التي شاركت فشلت، أعادنا هذا إلى الإشكالية التي كانت حاضرة منذ البداية وفيها فيها ثلاثة مواقف طبعت اليسار، أنصار المشاركة، أنصار المقاطعة وجزء كبير آخر يمكننا أن نصفه بالانتظارين، يعني لم يتورطوا في المشاركة أو المقاطعة، إلى أن جاء الربيع العربي. السؤال المطروح اليوم هو يسار ما بعد الربيع العربي، ما هي ملامحه؟ التشتت، التشرذم، عدم القدرة على بناء ائتلافات وغياب التوحيد ليس بمعنى الوحدة بل فقط للاجتماع حول ما هو مشترك وما هو متفق عليه.
*ألم يعد هذا التصنيف يسار/ يمين، تصنيفا كلاسيكيا؟
**بشكل أساسي لم نغادر هذه البينة، ليست لدي هذه الرؤية التي تقول بالتجاوز، إذ لم تتم هيكلة قوة ما تجاوزت التمييز يسار/ يمين.
*مع تجربة بوديموس باسبانيا، صار يتردد خطاب لا يسار لا يمين وإنما تأسيس تحالفات بناء على منظور للديمقراطية.
**نحن في المغرب ليس لدينا هذا الطرح، التحالف بين النهج الديمقراطي والعدل والإحسان كتحالف موضوعي كان خلال أحداث الربيع العربي وفي مواقع مختلفة فيما بعد لم يظهر أننا تجاوزنا هذا التمييز، بل بالعكس داخل هذا التحالف بقيت هذه النظرة للحياة السياسية تشتغل لدى الفاعلين السياسيين.
*قلت إن اليسار يعيش الشتات، هل لدينا يمين متراص؟
**عشية التناوب كانت لدي جلسة مطولة مع السيد عبد الواحد الراضي الذي كان أستاذا لنا في كلية الآداب في مادة الفلسفة، طالت الجلسة لنصف يوم، كنا في أجواء تهيئ للتناوب، في إحدى اللحظات قال لي ينبغي لنا أن ندخل للحكومة لـ”كي تتكسر عظامنا” لأن ثقتنا في أنفسنا زائدة، وذلك ليصبح حتى اليمين يمينا حقيقيا. أظن أنه من ميزة هذه المرحلة أنه لأول مرة في تاريخ المغرب، اليسار ليس في وضعية مريحة، يمكننا أن نذهب بعيدا في إعطاء الطابع المأساوي كما نسمع ذلك في أحاديث كثيرة عن اليسار: التشرذم، الضعف، إلخ، ميزة اليوم أن ضعف اليسار ينعكس على ضعف اليمين، إذن لم نتجاوز هذه الجدلية، ولكن صيغها تغيرت، سابقا لم يكن الحضور الإسلامي بهذه القوة.
*أين يتواجد الخطاب السياسي الإسلامي سواء في الحكومة أو المعارض، في هذه الجدلية؟
**اليمين واليسار يتميزان بضعف التنظيمات الحزبية الآن ومحدودية قدرتهما التعبوية، ضعف التنظيمات الحزبية، هل حزب العدالة والتنمية (ذات مرجعية إسلامية والحزب الرئيسي بالحكومة المغربية) وضعيته تختلف بشكل جوهري؟ النتائج التي نتوفر عليها سواء في الانتخابات أو حتى مؤشرات الاجتماعات والجموع العامة واللقاءات التي ينظمونها يمكنها أيضا أن تعطينا هذا الانطباع بأنهم أقوى نسبيا، لكن هل هم أقوياء؟ هل هم فعلا في مركز ما يخترق المجتمع المغربي وما يطبعه من تيارات ومن مواقف ومواقع فكرية، نظرية، عملية، في هذه المرحلة بالضبط، قد لا أستطيع قول هذا الكلام في مرحلة سابقة، لكن في هذه المرحلة هذا ما يمكن أن تبينه وقائع مقبلة، وتبادل الضربات في المرحلة التي نعيش فيها ستظهر لنا هل هو فعلا تنظيم قوي مركزي محوري أم فقط اجتمعت شروط جعلته يظهر قويا بالمقارنة مع ضعف المكونات الأخرى؟ لكي أجيب عن السؤال، هذا الضعف لا يمكن ألا ينعكس وليس لوحده، هناك ضعف الأحزاب يمينا ويسارا، إسلاميين؟ ولكن هناك مؤشرات لم تكن موجودة في السنوات القليلة السابقة التي عشناها، حيث وصلت القوة التنظيمية للعدالة والتنمية أوجها، إضافة ضعف النقابات بل صارت لدينا نزعة الحد من الدوائر النقابية، الخروج من النقابات، لأنه حتى المطالب الاقتصادية والاجتماعية لم تعد تحتويها الدوائر النقابية. ثم ضعف المجتمع المدني نفسه، المجتمع المدني بطبيعته مشتت ومجزأ، شخصان بإمكانهما تشكيل جمعية، شخصان حسب القانون المغربي، بالتالي بقدر عدد المغاربة هناك جمعيات، ضعف المجتمع المدني الذي ظهر في محدودية دوره في الوساطات، هو غير متواجد وسط النقاش العمومي والملفات الوطنية الكبرى. وضعف الحركة الاجتماعية، رغم الحسيمة رغم جرادة، رغم المقاطعة. الحركة الاجتماعية دائما عابرة، إلا أنه لم يبد أننا سنعرف لحظات للتوحيد الاستثنائية مثل ما وقع بشكل نسبي جدا في الحالة المغربية، بخلاف الحالة التونسية، الحالة المصرية، حالات عربية، حالات في المنطقة متعددة، حالة ما جرى في الربيع العربي لدينا، لمدة طويلة من شباط/فبراير إلى صيف 2011، وقع ذلك التوحيد الذي تلاشى تدريجيا إلى أن فك الحلفاء الارتباطات فيما بينهم، والمسارات الفردية التي طبعت واقعة عشرين فبراير تشتت وأخذت عدة اتجاهات.
*كيف تنظر للأثر الذي خلفه حراك تنامي الحركات الاحتجاجية في المغرب في السنوات الأخيرة، وخاصة حراك الريف على مؤسسات الدولة وصورة المغرب في تقارير المنظمات الدولية؟
**هناك حركة احتجاجية متنامية لكن كما قلت مشتتة ومتباعدة زمنيا، في الوقت الذي تكون هناك حركة اجتماعية تنمو في الدار البيضاء أو طنجة أو ما إلى ذلك، تكون المدن المجاورة كأنها في عالم آخر. أو تعامل المؤسسات مع هذه الحركات أمنيا وسياسيا، الحركات الاحتجاجية لعبت كذلك كمحرك للسياسات العمومية، تبرز نقط الضعف وتتولد عن ذلك مخططات استعجالية، برامج، زيارات، حوارات. من هذه الناحية هناك تأثير مباشر على السياسات العمومية، لأن من يسيرون الشأن العام يتجاوبون مع الوقائع الاجتماعية. وبالتالي هي احتجاج على الوضع القائم، ولكن في نفس الوقت السياسات التي تبلورت تستفيد من هذه الاحتجاجات لتغذية السياسات العمومية ولتطويرها، لا من ناحية المضامين ولا من ناحية وتيرة العمل وتحاول استدراكها، هل تنجح؟ هذه قضية أخرى. وهذه القضية قديمة، لأنه في علم السياسة الذي موضوعه المغرب تساءل كثيرا عدد من المحللين المعروفين كانوا ينبهون عبر نظرية الأدوار أن دور المعارضة هو تنبيه السلطة القائمة لما يمكن أن تقوم به، النظام في مرحلة الحسن الثاني، في نهاية السبعينات والثمانينيات كانت الوظيفة العميقة للمعارضة المؤسساتية هي فتح أعين السلطة على ما لم تفعله لتستدركه. الإحتجاج حاليا صارت له هذه الوظيفة، وهو الدور الذي كان تقليديا عند المعارضة.
*يلاحظ أن نشطاء الشتات والريفيين في هولاندا وبلجيكا وإسبانيا نزلوا بثقلهم لصالح المرشحين لعضوية البرلمان الأوروبي ممن ساندوا حراك الريف ومن ضمنهم كاتي بييري التي أعيد انتخابها لعضوية البرلمان الأوروبي، ماذا يضيف هذا البعد في قضية حراك الريف؟
**في المغرب هناك غلبة للداخلي على الخارجي، هذا الحضور يكون شيئا ما مربكا للسلطات الوطنية ويخلق بعض المشاكل ويلزم على الدولة الاهتمام بصورتها فتحاور في هذه الملفات مع أطرافا أجنبية، لكن ليس له وزن أساسي. قضية الصورة في الخارج مهمة، وما قد يقوم به شخص أو تيار بكامله أظهرت تجربة السنوات الأخيرة أن الدولة المغربية استطاعت أن تدبره بأقل الخسائر. تكون هناك محطات صعبة أحيانا لكن تجد السلطة لها المخارج وتستطيع تجاوز تلك المرحلة، ومع الوقت يذوب ذلك الضغط. السياسة المغربية كان دائما يطبعها الطابع البرغماتي وهي من فلسفة الحسن الثاني، كان يتعامل ظرفيا مع القضايا.
*يبدو أن الخطاب الرسمي استنفد خياراته القانونية والقضائية إزاء نشطاء حراك الريف، هل هناك بوادر مصالحة وطنية ؟
**لاحظت حركة حقوقية ووساطات، لا يمكنني تكهن جدواها، هل شروط التفاهم بين أطراف مختلفة لإحقاق ما أسمتيه مصالحة أسسه متوفرة موضوعيا أم فقط سلسلة المناسبات التي تجعل الدولة والأطراف الأخرى تقوم بتنازلات؟ شعرنا بالمصالحة في مراحل مختلفة أذكر منها اثنين: عشية التناوب، سميت آنذاك مصالحة، والمحطة الثانية هي محطة الإنصاف والمصالحة، هذه فعلا محطات بارزة وإن كان عبد الله العروي في “تاريخ المغرب الكبير” كان يرى أن السمة التي طبعت بعمق التطور التاريخي للبلاد تطرح بشكل جوهري مسألة المصالحة بين الدولة والمجتمع، هل نحن في حالة من هذا الحجم أم هي مسألة ترابية كما يدعي البعض أو نتيجة للحصار الذي كان على منطقة جغرافية بخصائصها التاريخية، هل يمكن أن نسميها مصالحة أو فقط مسألة غياب وساطات حقيقية بفعل ضعف الأحزاب والنخب؟ هل نحتاج مصالحة تاريخية بحجم مصالحة العروي أم بشكل التناوب أوالإنصاف والمصالحة أم فقط هناك منطقة لها حاجات؟ في نظري هناك وضع يجبر الأطراف المختلفة أن تطرح مما هي عليه من أطروحات وفرضيات.
*كيف تنظر لوضعية الصحافة والحريات؟
**بخصوص الاتجاه العام للحريات في المغرب، هل نتقدم أم لا؟ أنا في رأيي كنا نتقدم وهناك إمكانيات للتقدم، هناك جانب مؤسساتي وقانوني تقدم، والصحافيون ساهموا في تجاوز العديد من الخطوط الحمراء، مثل الحديث عن الأمن والجيش والمخابرات، هناك مقاومات في مجالات أخرى، هذه مسألة مرتبطة بتطور مسارات. وأعتبر أن حركة عامة كانت في اتجاه التقدم وإن كان هناك مد وجزر، هل ما نعيشه في المراحل الأخيرة يظهر أن هناك تراجعا؟ بعض الأحداث لا تبدو عرضية ولا تبدو عابرة، تظهر أن هناك مقاومات حقيقية ولكن في نفس الوقت لا أعتبر أن الدولة يمكن أن تقوم بما تريد مع وجود من يشتغلون في مجال حرية التعبير والصحافة ونشطاء في المجال الرقمي، هذا يبدو أنه مرحلي، لا أبرر ولكن كمهتم بالمجتمع المغربي أرى أن الاتجاه العام يسير نحو الانفتاح بسبب نمو وعي مجتمعنا وكفاحية الفئات التي تشتغل في حقول حقوقية.
*إذا عدنا إلى الحركات الاجتماعية كما هو عليه الحال الآن في الجزائر والسودان، هل نشهد موجة جديدة من الانتفاضات العربية تختلف عما حدث في 2011؟
**في الجزائر مسار مختلف عن باقي البلدان فقد كانت هناك محاولة تحركات سنة 2011 لكن الدولة حاصرتها وتفاعلت معها، والريع سمح بتقديم منح، الدولة المانحة منحت هدايا وهبات ونجحت وخنقت الحركة، لاسيما مع تجربة خاصة وهي الخروج من العشرية السوداء، كانت عشرية قاسية. كتب الكثير عن الأسباب التي منعت الجزائر من أن تعيش ربيعا كباقي البلدان، فلم تعرف حتى إصلاحات متوسطة والنخب الحاكمة صارت لها ثقة أكثر في النفس، وهذا هو مشكل السلطوية الجديدة، السلطوية الجديدة هي السلطوية التي تدمج بعض الإصلاحات ذات الطابع الشبة الديمقراطي، السلطوية الجديدة في الجزائر حاولت إصلاح أوضاع المرأة والقيام بإصلاحات إدارية مختلفة..هذه المنظومة الحاكمة مؤسسات ونخب وثقافة التي ما زالت مرتبطة بجبهة التحرير اعتبرت أن الوضع لا يتطلب منهم أكثر مما قاموا به ولم يسايروا نمو درجة الوعي لدى الجزائريين. أظن أن الأمور نضجت ولها تفسير كلاسيكي: كفى سلطوية، النخب القديمة استنفدت كل إمكانياتها المادية والرمزية، حان وقت التغيير، هل سينجحون؟ ما زال السؤال مفتوحا على كل الاحتمالات؟ هذه مرحلة استثنائية، كيف ستنتهي هو أمر يثير الحيرة. هل هي موجة جديدة؟ أعتقد أن كل حالة لها طابعها الخاص، في الأردن لم يصل الوضع لهذه الكثافة وطول النفس الذي عليه الحال بالجزائر، الحالات الأخرى إما حرب لم تنته بعد كاليمن وليبيا، وسوريا قد نقول الحرب انتهت مع تعقيدات دولية، بتونس يبدو أن هناك أزمة سياسية، هناك بلوكاج في البرلمان وانشقاقات وقوانين اعتبرنا أنها مهمة مثل المساواة في الإرث لكن لم تفعل. إجمالا هناك غياب لنظرية للحركات الاحتجاجية بمنطقتنا.
*هل من المحتمل أن يشهد المغرب حراكا آخر بشكل 20 فبراير؟
**الأنظمة واثقة في نفسها أكثر من اللازم وغير مستبعد أن تكون هناك انتفاضات وانفجارات. لكن المشكل في طبيعة هذه الحركات، في الجزائر نرى مشكل قيادة هذا الإحتجاج وإعطائه صيغة برنامجية دقيقة، ولدينا نفس الأمر في المغرب.
يمكن أن تبقى الحركات في المناطق وقد تكون بالرباط احتجاجات فئوية، أستبعد في الظروف الحالية تجمعها.
*في المقابل كيف ترى أداء الدولة في الوقت الراهن؟
**هو مرتبط بالفرضيات التي تحدثنا عنها، الدولة من الصعب أن تشتغل لوحدها، وإن كانت قوية بحزامها الأمني، والأمني هو مستويات عدة، الجيش والأمن والمخابرات والأمن العقدي. لا يمكن لوضع يتسم بضعف الأحزاب والنخب والمجتمع المدني ألا ينعكس عليها، هي تعتبر نفسها قوية، وأظهرت النظريات السياسية وهيغل أساسا أنه لا بد من توازن والتوازن الآن مختل. ليست هناك دولة تقوم على أساس أنها قوية بذاتها، إضافة إلى أن المجتمع تقدم وهناك ارتفاع للوعي السياسي يطالب بالمزيد من المشاركة والعدالة الاجتماعية في مرحلة الموارد فيها قلت. الدولة في عدة نظريات هي تمنح موارد مادية مختلفة أو وضعيات قانونية أي رأسمال رمزي، وهناك ندرة المادي والرمزي ولا يمكن بهذا النمو الديموغرافي واتساع الطبقات الوسطى، كوعي وليس فقط كدخل، وتضخم الانتظارات. ولو أنه تحدثنا سابقا على غلبة الديناميات الداخلية على التأثير الخارجي لكن لا يمكن استصغاره، كل هذا يعطي موقعا جديد للدولة ويعطيها ملامح مختلفة عن السابق.
*كيف يتجه المغرب نحو الانتخابات المقبلة؟
**الجو السائد يطرح مشكل الآفاق، إلى أين نتجه وما هي المشاريع المجتمعية المغربية التي ستتنافس؟ المشاركة لم تحل المشكل والمقاطعة كذلك، تصليب الحياة السياسية المغربية في نظري ضرورة، أن تكون منبثقة من السوق وليست مصطنعة أو مؤطرة أو موجهة، هذا لم يعد يجدي، لا يجب صناعة التوازنات ولكن طرح قواعد مقبولة ومتفق عليها ويؤمن بها الناس، أما صناعة المواقف والمواقع سواء كمنظومات جماعية أو أفراد هذه لن تمكننا من الخروج من المأزق، التدخلات الإرادية التي تدعي أنها ستصنع الخريطة يجب أن تتواضع وتترك المجال للتلقائية، يجب الإتفاق على قواعد، هل يلزمنا ميثاق أخلاقي جديد بين الدولة والأحزاب كما تم في سنة 1997هذا سؤال؟
*هناك اهتمام خاص ومتزايد لعبد الله ساعف بالمجتمع المدني والرأسمال الاجتماعي، كيف تنظر لتطور المغرب من هذين الزاويتين؟
**استثمرت أبحاث كثيرة حول المجتمع المدني في السنوات الأخيرة، كان سؤالنا في التسعينيات هل لدينا مجتمع مدني؟ تأكد تدريجيا بأن هناك مجتمعا مدنيا لكن السؤال الذي ما زال مطروحا هو ما هي مكانته وأهميته وإمكانية تأثيره على الواقع؟ هناك أجوبة مختلفة حسب الميادين والمجالات، رأينا موجة الجمعيات الحقوقية والمهتمة بوضعية المرأة والجمعيات التنموية والفئوية هنا كمسار للمجتمع المدني معقد ومن الصعب الحديث عنه في هذا المقام، هناك تقدم لكن دوره ما زال متواضعا مقارنة مع التحديات المطروحة، ومع ذلك هناك مجال واسع للمساهمة في البناء الديمقراطي وتوسيع التداول العمومي في الشأن العام ويمكن أن تظهر في المستقبل تجربة الجبهات الواسعة التي تجمع حركات اجتماعية وجمعيات مدنية وو..
*قلما تجتمع تجربة السياسي والمثقف والباحث في العلوم السياسية في شخص واحد، أين يجد عبد الله ساعف نفسه أكثر؟
**أنا أستاذ ولكن إنسان، ومثلما قال أرسطو “الإنسان حيوان سياسي” ومنذ دراستي الثانوية كان يبدو لي أني سأكون سعيدا كأستاذ وشاءت ظروف معينة أن أناضل في حزب كعضو في منظمة العمل وفيما بعد كعضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، ومارست السياسة في إطار تنظمات انتميت إليها، ومن اللحظات الأساسية في حياتي كنت في لجنة لإعادة إحياء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مع السي الحيحي والسي أومليل قبل إعطاء الإنطلاقة للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، كل هذا له مكانته في حياتي، لكن في الكلية ميزت دائما بين الأكاديمي والسياسي، كان ضمن القانون الداخلي للمنظمة بند يقول “أهم شيء في حياتي هو انتمائي للمنظمة” وأنا يمكن أن أقول أهم شيء في حياتي كان هو العلاقة بالبحث والتدريس، نعم كان هناك التزام، لكن دائما هناك تمييز بين المجالين.
*هل تشتغل على مشروع فكري؟
**هناك مشروع كتاب لم ينته منذ سنوات حول النظام السياسي المغربي وهذا ورش مفتوح، وكذلك مشروع رواية، اللجوء للرواية ليس هروبا من التحرير المعتاد، هناك أشياء كثيرة في السياسة لا يمكن الحديث عنها فقط بلغة التحرير السياسي والأكاديمي المتعارف عليه.