في سن متقدمة والشيب قد غزا رأسه، وانحنى الظهر قليلا تحت وطأة العمر، يتمسك الشاعر والروائي المغربي عبد اللطيف اللعبي بطفولة أحلامه كعنصر شحن لقريحته الإبداعية، كما يصر على عدم ترك الموقع الجدير بكل مثقف.
واستعمل الروائي المغربي مصطلح “خندق المقاومة”، في ما يشبه إحالة إلى العنوان الروائي الشهير لعبد الرحمن منيف “لماذا تركنا الجسر؟”
عبد اللطيف اللعبي، المناضل التقدمي والكاتب الملتزم والمعتقل السياسي السابق، بدا في لقاء مع جمهور المعرض الدولي للكتاب والنشر أمس الاثنين بمدينة الدار البيضاء المغربية، متمسكا بالتفاؤل “رغم الضربات القوية التي دفعت المثقف في العالم العربي إلى الهامش”، مشددا على أهمية الحفاظ على التعبئة الفكرية في مواجهة تحديات جديدة تخلخل منظومات القيم والعيش المشترك عبر العالم.
أمام تفاقم أوضاع الإنسانية، وتنامي تحديات العنف والاضطهاد بجيلها الجديد، يدعو اللعبي -الحائز على جائزة غونكور الفرنسية الشهيرة في الشعر عام 2009- إلى “عدم القبول بهزيمة الفكر أمام هذه التحديات الصعبة”، وإيجاد الأدوات الفكرية لمواجهتها.
وبالنسبة له، لا مجال للاستسلام لتشاؤم كسول ينقاد للتيارات الجارفة، “وبدل أن نركب موجة الهلع ينبغي أن ننخرط في تعبئة فكرية جديدة”، حسب اللعبي الذي يقر مع ذلك بأن المشهد الثقافي في العالم العربي فقَد روح العمل الجماعي والمبادرة التطوعية التي طالما قادها المثقف في عقود سابقة.
في زمن العولمة وتفتت الدولة الوطنية وظهور تهديدات من نوع جديد، يرى اللعبي أن الجواب الوحيد على هذا الوضع أن يبقى المثقف والمبدع “واقفين بعنادهما ووعيهما وأحلامهما المتصلة بأصل البشرية: الحرية والعدالة. على المثقفين وحملة الوعي ألا يتركوا الحلم يموت”.
هكذا يصر الكاتب -الذي نقل قصائد محمود درويش إلى الفرنسية، وعرف كواحد من أبرز مناضلي القضية الفلسطينية في فرنسا التي يقيم بها- على أنه “لا يمكن أن أغادر هذا الخندق، لأن وظيفتي هي الإلحاح على عدالة هذه الأحلام”.
ويحذر اللعبي -في هذا السياق- من أن صمت الرموز الثقافية وسكونها لهما انعكاس سلبي على الناشئة التي يشعر إزاءها بمسؤولية، متسائلا “كيف يمكن ربح هذا الشباب كقوة لصنع المواطنة وربح المستقبل إذا ما تراجع النموذج إلى الوراء؟”
التردي العربي
ومع كونه كاتبا فرانكوفونيا، يبدي اللعبي استياء حانقا من تخلي المثقفين العرب عن العمق العربي بعد أن ابتلعتهم هواجس قُطرية أو ذاتية، “يؤلمني، أنا الذي أكتب بالفرنسية أن أشهد هذه الحالة من التنازل عن العمق العربي، ذلك أننا نتنازل عن مكون أساسي من ماضينا ومستقبلنا كشعوب”.
واللعبي بتركيزه على استمرارية واقع العمق العربي، لا يفتأ يدعو إلى الاعتراف بتنوع المقومات الثقافية والتاريخية في الفضاء العربي.
ولم يخل اللقاء من التطرق إلى جوهر العملية الإبداعية التي يعتبرها الكاتب المغربي ممارسة مطلقة للحياة.
ففي نظره، الإبداع هو مسألة كل لحظة في حياة الكاتب والفنان، وجميع الطاقات ينبغي أن تكون معبأة لديه من أجل تغذية المشروع وتطويره، و”على المبدع أن يفتح عينيه دائما لتشكيل النص الذي يتكون في أحشائه”.
وبنظرة أقرب إلى “يوتوبيا” حجبها تطور وضعية المثقف في العالم العربي، يشدد عبد اللطيف اللعبي على أن “الإبداع ليس مهنة، أنا أعيش كليا لأكتب”. قبل أن يعترف أن “هذه الحرقة بدأت تنطفئ لدينا في المشهد الثقافي، أمام تسلل دودة المال وطموح المناصب”.
ويضيف اللعبي أن “الإبداع حاجة باطنية ملحة، فنحن نكتب لنلتقي مع الآخر، لنتقاسم معه ما تعطينا الحياة”.
في عالم الروائي المغربي، يحضر الطفل بقوة، وهو لا يتبرأ منه، بل يتحمل مسؤولية شغبه وأحلامه، فيقول “لا زلت طفلا، أنا كاتب شيخ لكنني باطنيا مراهق وطفل، إذا فقد الكاتب علاقته مع الطفولة وسن الحلم والحب وتبرعم الوعي والمشاعر، تنطفئ شعلة الكتابة”، ليخلص إلى القول إن “على الكاتب أن يعتني بطفولته”.
عبد اللطيف اللعبي من مواليد مدينة فاس المغربية عام 1942، درس الأدب الفرنسي بجامعة محمد الخامس بالرباط، وأسس عام 1966 مجلة “أنفاس” التي كان لها دور طلائعي في صفوف النخب اليسارية، ثم اعتقل بسبب نشاطه السياسي بين 1972 و1980، وحصل سنة 2009 على جائزة غونكور الفرنسية للشعر.
وفي سنة 2011، فاز بالجائزة الكبرى للفرانكوفونية التي تمنحها أكاديمية اللغة الفرنسية.
ومن أعمال اللعبي “العين والليل” (رواية)، و”عهد البربرية” (شعر)، و”أزهرت شجرة الحديد” (شعر)، و”مجنون الأمل” (رواية)، و”يوميات قلعة المنفى” (رسائل سجن).
وقد ترجم إلى الفرنسية أعمالا لمحمود درويش وعبد الوهاب البياتي وحنا مينا وغيرهم.
عبد اللطيف اللعبي: أمام التحديات يجب التشبث بالحرية والعدالة
عبد اللطيف اللعبي