مازالت صفقة بيع حصة شركة “سهام” لصاحبها الملياردير الوزير حفيظ العلمي الكثير من الأسئلة حول مدى استفادة أصحباها من “استغلال لمعلومات”، وعن مدى وجود “تنازع للمصالح” لدى الوزير الذي يعتبر في نفس الوقت صاحب الشركة التي استفادة من الصفقة؟
ويتعلق الأمر ببيع الوزير العلمي، حصته في شركة “سهام فينونس”، لشركة “سانلام” الجنوب الإفريقية، في صفقة بـ 1.05 مليار دولار.
فالصفقة تطرح الكثير من الأسئلة التي تثير شبهة استغلال الوزير العلمي لنفوذه ونفوذ حزبه الذي يرأس وزارة المالية داخل نفس الحكومة، لتحقيق امتياز شخصي، قد يرقى إلى شبهة “استغلال معلومة متميزة”.
فقد أعادت هذه الصفقة النقاش مجددا حول زواج السلطة بالمال، بما أنها حملت الكثير من “الشبهات” التي لم يتم الجواب عنها حتى الآن من طرف أصحابها أو من طرف المسؤولين عن “تمرير” “مادة” جديدة داخل قانون المالية الخاص بعام 2018 يعفي مثل هذه الصفقات من دفع أية رسوم لخزينة الدولة، كما كان معمول به في السابق، عند كل عملية بيع أو تفويت أسهم.
“المادة” المدسوسة
فقبل الإعلان رسميا عن الصفقة التي تم يوم 8 مارس الماضي، سبقها التصويت داخل البرلمان المغربي بغرفتيه على قانون المالية الخاص بعام 2018، وتضمن هذا القانون “مادة” جديدة لم تكن موجودة في قانون المالية السابق، ولم يسبق أن جاءت في أي قانون مالية قبله.
يتعلق الأمر بـ “المادة 129” من قانون المالية 2018، وهي عبارة عن تعديل أدخل في آخر لحظة يعفي المجموعات الاقتصادية من دفع رسوم لخزينة الدولة عند “التخلي بعوض أو بدونه عن الحصص في المجموعات الاقتصادية “.
وقبل هذا التعديل كان القانون يفرض على مثل هذه الصفقات دفع رسوم تقدر بـ 3% عن القيمة الإجمالية للصفقة.
وبما أن حجم صفقة بيع الوزير العلمي لحصته في مجموعة “سهام” زادت عن مليار دولار وخمسين مليون دولار، فإن نسبة 3 في المائة التي كان مفروض عليه أداؤها لخزينة الدولة بموجب القانون السابق قبل تعديله، تعادل أو تفوق 31 مليون دولار (نحو 289 مليون درهم مغربي)، تم إعفاء الشركة الجنوب إفريقية المشترية من دفعها لخزينة الدولة المغربية التي خرجت خاوية الوفاض مما وصف بـ “صفقة القرن” في المغرب.
عناصر “الشبهة”
بعد الإعلان عن الصفقة، وإثارة السؤال حول مدى استفادة صاحبها من “المادة” الجديدة التي تم تعديلها في قانون المالية لعام 2018، أصبحت تطرح الكثير من الأسئلة الشرعية من قبيل متى بدأت مفاوضات هذه الصفقة، وهل جرت قبل أو بعد المصادقة على قانون المالية الجديد؟ وهل كان أصحاب الصفقة على علم بأن قانون المالية سيتضمن هذه المادة حتى قبل إبرامها؟ وهل تم تأخير إبرام الصفقة حتى تمت المصادقة على قانون المالية الذي تضمن مادة تعفي مثل هذه الصفقات من دفع أية رسوم لخزينة الدولة؟ ومن كان وراء الدفع بتضمين قانون المالية لهذه المادة التي سبق أن تم رفض تضمينها في قوانين مالية سابقة بعد أن كان يدفع بذلك نواب “فيدرالية رجال الأعمال” خدمة لمصالحهم، مع العلم أن قانون المالية تعده وتقدمه الحكومة، وخاصة وزارة المالية؟ وما هي العلاقة بين وجود وزير ينتمى لحزب “التجمع الوطني للأحرار” هو محمد بوسعيد على رأس وزارة المالية، وتضمين قانون المالية لهذه المادة التي كان أول مستفيد منها هو زميله في نفس الحكومة ورفيقه في نفس الحزب حفيظ العلمي؟
هل يوجد تواطؤ بين الوزيرين؟
هذا السؤال طرحته جريدة “أخبار اليوم” في عددها الصادر نهاية الأسبوع الماضي، متسائلة عما إذا لم يكن هناك تواطؤ فهل كان الأمر مجرّد صدفة خسرت معها خزينة الدولة أكثر من 30 مليار سنتيم كانت ستستخلصها كرسوم تسجيل بعد صفقة بيع فرع التأمينات لمجموعة “سهام” للعملاق الجنوب إفريقي “سانلام”؟
الجريدة أوردت تصريحا مقتضبا وغير شاف للوزير العلمي اكتفى من خلال بالقول بأنه يعتقد بأن الصحافة قامت بتحليل هذا الموضوع كفاية، وبأن “ما رأيته وفهمته، هو أن واجبات التسجيل لا تهم البائعين. الآن لكم الحق في كتابة ما يبدو لكم صحيحا، هذا هو واجبكم”!
وبالفعل فالصفقة تمت، وكل نقاش بعد إبرامها لن يعيد إلى خزينة الدولة ما ضاع عليها من حقوق. لكن ذلك لا يعفي من طرح أسئلة أكثر مشروعية تستحق أن يجيب عنها وزير المالية محمد بوسعيد، والبرلمانيون الذين صادقوا على قانون المالية الذي تضمن “مادة” خسرت بموجبها خزينة الدولة ملايير الدراهم.
فحسب هذه المادة التي تحمل رقم 129 في قانون المالية الحالي تنص على “إعفاء التفويتات بعوض أو بدون عوض، والمتعلقة بحصص المشاركة أو أسهم في الشركات أو في المجموعات ذات النفع الاقتصادي”. علما أن القانون السابق كان ينص على وجود دفع رسوم بقيمة 3 في المائة من قيمة كل صفقة تفويت أسهم أو حصص في الشركات، باعتباره يتعلق بواجبات التسجيل.
هل نحن أمام استغلال للمعلومات؟
كما هو معلوم فالمعلومات داخل أية سوق تعتبر ذات أهمية كبيرة، ولهذا عمل المشرع المغربي على تجريم كل الأفعال التي تمس بالمعلومات المتميزة، وذلك لما تشكله هذه الأخيرة من تأثير على السوق.
وتجريم مثل هذه السلوكات جاءت من أجل ضمان تنافسية المعاملات داخل الأسواق المالية، واعتبرها المشرع المغربي بأنها عمل غير مشروع تم تحريمه بموجب القانون.
وبالرغم من أن صفقة “سهام” بعيدة عن الهدف الذي من أجله قام المشرع المغربي بتجريم “الاستغلال المتميز للمعلومات”، إلا أن وجود عناصر مشابهة تدفع إلى طرح السؤال حول مدى شرعية هذه الصفقة، ومدى استفادة أصحابها من “معلومة” سيتضمنها قانون المالية الجديد استفاد منها أصحاب الصفقة؟
ففلسفة تجريم “الاستغلال المتميز للمعلومات” (Délit d’initié) تكمن في أهمية المعلومات المتميزة داخل سوق البورصة في توجيه رغبات المستثمرين والمدخرين في توظيف أموالهم أو الإحجام على توظيفها، وكذا للتأثيرات التي قد تحدثها في السوق.
لذلك نص المشرع المغربي على تجريم هذا الفعل في المادة 25 من القانون رقم 121.93.2 صادر في (21 سبتمبر 1993) في فقرته الأولى: “كل شخص يحصل في أثناء مزاولة مهنته أو القيام بمهامه على معلومات متميزة ويستخدمها لإنجاز أو المساعدة عمدا على إنجاز واحد أو أكثر من العمليات في السوق سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أو بواسطة شخص آخر، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، وبغرامة يمكن أن تساوي خمس مرات مبلغ الربح المحتمل تحقيقه من غير أن تقل عن 200.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط”.
طبعا، هذه المادة تنص على أن جريمة “استغلال المعلومة المتميزة” تنهض حينما يقوم شخص أثناء مزاولة مهنته أو القيام بمهامه بإنجاز أو المساعدة على واحدة أو أكثر من العمليات في البورصة. وبالرغم من أن المشرع تحدث أو كان يقصد “البورصة”، فهو كان يستهدف عمليات البيع والتفويت، لأن هذه هي العمليات التي تجري داخل البورصة.
وصفقة “سهام” حتى إن لم تتم داخل البورصة، إلا أنها تتعلق بعملية بيع وتفويت أسهم لشركة مغربية مدرجة في بورصة الدار البيضاء، واستفاد أصحابها من مادة موجودة في قانون المالية الجديدة، ولم تتم الإجابة حتى الآن عن السؤال حول مدى التداخل ما بين العنصر المادي والعنصر المعنوي الذي يربط صفقة “سهام” بهذه المادة الدخيلة على قانون المالية الحالي؟
شبهة “تنازع المصالح”
يضاف إلى شبهة “استغلال معلومة متميزة”، تطرح صفقة “سهام” سؤالا آخر حول مدى وجود “تنازع مصالح”، ما بين موقع الوزير العلمي داخل الحكومة ووجوده من ضمن المستفيدين من صفقة البيع؟
فالفصل 36 من الدستور المغربي ينص على أنه “يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه..”.
أما “المصلحة المركزية للوقاية من الرشوة” فعرفت في تقريرها لسنة 2004، “تنازع المصالح” بأنها “الوضعية الناتجة عن الحالة التي يكون فيها شخص يعمل لدى مرفق عمومي أو القطاع الخاص ، يستحوذ على مصالح من شأنها أن تؤثر أو بإمكانها أن تؤثر على الطريقة التي ينجز بها عمله أو المسؤولية الموكولة له “.
وبناء عليه، يقع “تنازع المصالح” متى كان هناك شخص في وضعية إدارية أو سياسية أو تطوعية تجعله بصفة مباشرة أو غير مباشرة يستفيد من هذه الوضعية وقد يقدم مصلحته الذاتية على المصلحة العامة.
لكن القانون المغربي لم يحدد بوضوح ما المقصود بتنازع أو تضارب المصالح، لأنه ببساطة مازال لا يوجد قانون خاص بهذه الوضعية، مع استثناء ما تم التنصيص عليه في قانون الوظيفة العمومية الذي يهم الموظفين والقضاة والمحامين والبرلمانيين، نوابا ومستشارين، لكنه يبقى بعيدا عما نصت عليه الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد.
ويعتبر النقاش الذي فرضته صفقة “سهام” فرصة لفتح نقاش أوسع من شأنه أن يعجل بوضع قانون يعرف بجريمة “استغلال النفوذ” و”تعارض المصالح” و”تنازع المصالح”، ويحدد العقوبات والجزاءات المترتبة عن كل فعل بحسب أضراره وخطورته.