ارتفاع فاتورة الماء والكهرباء الذي تعاني منه بعض مدن المغرب ومنها في الشمال مثل تطوان وطنجة وأصيلا والفنيدق ترتبط بمخطط لشركات دولية بدأت في التسعينات وبتوصية من مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد الدولي بتفويت الخدمات العمومية الى القطاع الخاص. ويعتبر وضع المغرب متفاقما بحكم وجود بنود سرية في الاتفاقيات أشرفت عليها الدولة المغربية بنفسها.
وفي ظل العولمة، بدأت ظاهرة تفويت القطاعات العمومية الى القطاع الخاص وخاصة في الدول التي تعاني ميزانيتها من الخصاص نتيجة فقر الموارد أو الفساد، وهما خاصيتان يجتمعان في المغرب.
ولم تكن تجرأ الدول من قبل على خوصصة القطاعات العمومية الحيوية مثل التعليم والتطبيب والنقل والماء والكهرباء. ومع بداية العولمة بدأت تدريجيا بالنقل ولاحقا انتقلت الى قطاعات حيوية مثل الماء والكهرباء. وكانت البداية مع خوصصة الماء في بريطانيا وتبعتها دولة التشيليوفرنسا والمانيا وبعد ذلك في بعض دول أمريكا اللاتينية. وكانت هذه المنطقة تعيش مشاكل.
ومع بداية العقد الأول من القرن العشرين، أصبحت شركات التدبير المفوض للماء والكهرباء والصرف الصحي تحوز على نسبة هامة من القطاع عالميا وعلى رأسها الشركات الفرنسية. وكان البنك الدولي يحث الدول على خوصصة هذه القطاعات ضمن ترشيد النفقات.
وتعرضت بعض مدن المغرب لهذه الهجمة نتيجة التقاء عاملين، الأول وهو اعتبار الشركات الفرنسية المغرب مجالا مفتوحا لها، والسبب الثاني هو تسجيل المغرب حركة خوصصة قوية منذ عهد حكومة عبد الرحمان اليوسفي لحاجة المغرب للسيولة النقدية خاصة مع بداية العهد الجديد الذي كان يرغب في تنفيذ مشاريع لاكتساب شعبية.
وبدأت عملية خوصصة في الدار البيضاء ثم الرباط، ولكنها اصطدمت برفض شعبي قوي في شمال المغرب وخاصة في مدينة تطوان، حيث نزلت وزارة الداخلية سنة 2002 بكل قوتها لتقنع السكان بالترغيب والتهديد بضرورة قبول الاتفاقية ، وكان مسؤولو الداخلية في اجتماعات مع الساكنة في ولاية تطوان يقولون “خوصصة الماء والكهرباء قرار سيادي لا رجعة فيه”.
وكان من سوء حظ المغاربة هو دخول شركة فيفاندي الى المغرب وهي أسوأ الشركات الفرنسية الثلاث التي تسيطر على هذا القطاع عالميا، وهي سويس ليونيز وسور SAUR علاوة على فيفاندي.
وقبل المغرب بدخول فيفاندي ضمن توصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ثم العرض المغري الذي قدمته لشراء 35% من أسهم اتصالات المغرب. وتعتبر فيفاندي الأسوأ لأنها مقسمة الى قسمين، فيفاندي أونفرسال التي تعمل في مجالات منها الاتصالات وفيفاندي أونفرنمو الذي تستثمر في الماء والكهرباء والصرف الصحي، وعادة ما تكون صفقاتها سرية مثل تقديم عروض مغربية في قطاع الاتصالات للحصول على امتيازات في الصرف الصحي.
ومقابل شراء أسهم اتصالات المغرب بقيمة مرتفعة، رخصت الدولة المغربية في بنود سرية للشركة تحقيق أرباح في التدبير المفوض للكهرباء والماء والصرف الصحي. وهكذا، أصبحت فيفاندي تستثمر في المغرب تحت أسماء أمانديس وريضال وترفع من الأسعار بصورة صاروخية.
ومن البنود السرية الأخرى التي فرضتها فيفاندي على المغرب مثل باقي الدول كما فرضتها على دول أخرى هو عدم فسخ العقد ولو لم يتم الالتزام بدفتر التحملات، وفي حالة فسخ العقد يجب تقديم تعويضات كبيرة للغاية. لكن في دول مثل الأرجنتين وتونس والمانيا نجحت الاحتجاجات الشعبية في فسخ الاتفاقيات.
ومن ضمن الأمثلة حول غلاء الفواتير التي فرضتها أمانديس، إذا كان الناتج القومي للمغرب منذ خوصصة الماء والكهرباء قد تضاعف 100% بانتقاله من حوالي 56 مليار دولار سنة 2003 الى 106 مليار دولار سنة 2014، فأسعار الماء والكهرباء في مدن شمال المغرب تضاعفت بما بين 500% الى 2000%. ومن ضمن الأمثلة، كانت فاتورة الماء في تطوان في أواخر التسعينات حوالي 50 درهم كل شهرين، والآن أصبحت في معدل 400 درهم شهريا بينما تصل بعض الفواتير الى 2000 درهم للعائلة. في الوقت ذاته، لم ترتفع الأجور ب 500%.
وتحول المغرب الى سوق هامة لفيفاندي عبر فرعها فيوليا الذي خلق فرع أمانديس في شمال المغرب، ومما زاد من استفحال الوضع هوغياب قوانين في المغرب تحمي حقوق المستهلك عكس ما يوجد في أوروبا ولاحقا في أمريكا اللاتينية.
ومنذ سنوات والعالم يعيش انتفاضة حقيقية ضد خوصصة الماء والكهرباء، وكانت البداية من الأرجنتين حيث جرى طرد أمانديس منها هذا البلد ولاحقا من دول أخرى مثل المانيا وتونس، حيث اضطرت السلطات الى فسخ العقد مع هذه الشركة نتيجة الاختلاسات التي كانت تقوم بها.
والآن، تؤدي ساكنة تطوان وطنجة والرباط التفويت الذي قامت به الدولة المغربية لصالح فيفاندي في ظروف مريبة للغاية، إذ بدورها تستفيد الدولة من ارتفاع الأسعار بسبب ارتفاع الضريبة.
وبينما وقت سلطات الدول الى جانب الساكنة في عدد من الدول ضد خروقات تشركات دولية تولت الماء والكهرباء، يقول رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران أن الاحتجاجات “فتنة”.