سياسة ترامب العدائية ضد أوروبا تدفعها نحو استقلالية القرار والانفتاح على الصين وروسيا وإيران

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

لم يكن الاتحاد الأوروبي ينتظر سياسة تقترب من العدائية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأمر الذي جعل وزير الخارجية الألماني هيكو ماس يصرح هذا الأسبوع “لا يمكن الثقة بشكل مطلق في البيت الأبيض”. وبدأ الأوروبيون يقدمون على خطوات برغماتية ومنها الانفتاح على روسيا والصين بل وحتى إيران والابتعاد عن أجندة واشنطن في أفق تحقيق استقلالية القرار.

ولم يتفهم المسؤولون في أوروبا على مستوى الحكومات والمفوضية الأوروبية تصريحات دونالد ترامب عندما قال خلال أيام معدودة أن اللقاء مع الرئيس فلادمير بوتين أحسن بكثير من الاجتماع مع رؤساء الدول والحكومات لمنظمة الحلف الأطلسي وهو الاجتماع الذي جرى الأسبوع الماضي في العاصمة بروكسيل. ثم عاد ترامب ليصف “الاتحاد الأوروبي بالعدو التجاري للولايات المتحدة” بل ونصح رئيسة حكومة بريطانيا تريسا ماي برفع دعوى ضد الاتحاد الأوروبي في المحاكم الدولية بسبب المفاوضات الصعبة حول البريكسيت.

وكان الاعتقاد السائد في أوروبا، وفق مصادر سياسية رفيعة في المفوضية الأوروبية، هو رهان ترامب على اتخاذ إجراءات اقتصادية تهدف الى التضييق على الصين في المقام الأول للحد من تطورها على حساب المبادلات التجارية الأمريكية-الصينية التي تميل للأخيرة، لاسيما وترشيح معظم الخبراء الدوليين للصين لزعامة العالم خلال العقدين المقبلين. وتضيف المصادر “لكن المفاجأة هو تركيز ترامب على أوروبا الى مستوى اعتبارها عدوة تجارية رغم العلاقات التاريخية التي تجعل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ركيزة الغرب”.

ولن يقف الاتحاد الأوروبي مكتوفة الأيدي أمام هجمات ترامب، فقد بدأ باتخاذ خطوات مستقلة لتعزيز تجارته الخارجية بعيدا عن الإجراءات الأمريكية. ومن ضمن أولى هذه الإجراءات هو قرار وزراء خارجية دول أوروبا الاثنين من الأسبوع الجاري حماية الشركات الأوروبية المتعاملة مع إيران في مواجهة العقوبات التي تلوح بها واشنطن. وعلى رأس الاجراءات السماح للأبناك الأوروبية التحويلات المالية بعملة اليورو الى إيران مقابل البترول ومواد أخرى. في الوقت ذاته، الترخيص للبنك الأوروبي الاستثمار وتمويل مشاريع في إيران رغم المعارضة الأمريكية. وهذه السياسة تعتبر انفتاحا حقيقيا على إيران رغم الضغط الأمريكي.

وحقق الاتحاد الأوروبي قفزة نوعية في التجارة العالمية، فقد وقع على اتفاقية التبادل التجاري الحر مع اليابان الثلاثاء من الأسبوع الجاري ليحال على برلماني الطرفين للمصادقة عليه ويدخل حيز التنفيذ بداية 2019. واعتبرت جريدة ليبراسيون الفرنسية في مقال تحليلي لها أن “الاتفاق رسالة الى ترامب والإجراءات الحمائية التي يتبناها”. وتأتي اتفاقية التبادل الحر مع اليابان شهورا بعد تلك التي جرى توقيعها مع دولة ذات ثقل في الاقتصاد الدولي وهي كندا الشريك الرئيسي للولايات المتحدة اقتصاديا رفقة دول أخرى مثل المكسيك والصين.

ومن خلال تصريحات المسؤولين الأوروبيين ومقالات الرأي والتحليل في معظم الصحف الأوروبية وبرامج التلفزيون هو أن كل هذه التطورات ستدفع الاتحاد الأوروبي الى تعزيز استقلالية القرار خاصة الاقتصادي-التجاري عن الولايات المتحدة والانفتاح عل باقي الدول والمناطق مثل روسيا والصين دون الأخذ بعين الاعتبار بالتهديدات الأمريكية. ولعل أبرز العوامل التي ستساعد على تحقيق هذه السياسة هي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “البريكسيت”، وهي الدولة الحليفة التي عرقلت تاريخيا استقلالية القرار الأوروبي.

ويبقى الهاجس الرئيسي الآن للاتحاد الأوروبي هو تفادي تقسيم ترامب للاتحاد الأوروبي عبر دول شرق أوروبا التي تميل الى سياسة واشنطن. وكان رئيس المفوضية الأوروبية جون كلود جانكر قد صرح “على ترامب الإدراك أنه لا يمكنه تقسيم الاتحاد الأوروبي تجاريا، عندما يتعلق الأمر بالتجارة يصبح الاتحاد وحدة صلبة”.

Sign In

Reset Your Password