قال محمد الطوزي الأستاذ الباحث في العلوم السياسية والاجتماعية إن الدولة في التاريخ المغربي غالبا ما كانت قادمة من خارج المجتمع، كأن تأتي عن طريق دعاوي إسلامية، وهو ما جعل مسؤولياتها الاجتماعية غير حاضرة ومن جانبه، أوضح الوزير السابق عبد الله ساعف أن الدولة الاجتماعية مبنية على إشكالية الكرامة الإنسانية وتهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية.
وجاءت هذه المداخلات في إطار ندوة نظمتها وزارة التشغيل الأحد 10 يونيو الجاري بالمعرض الدولي للنشر والكتاب في العاصمة الرباط بعنوان “في أفق إرساء الدولة الاجتماعية: المتطلبات والإكراهات” على المعاني المتعددة التي يأخذها مفهوم الدولة الاجتماعية في القاموس المغربي.
واعتبر الطوزي خلال مشاركته في ندوة حول موضوع الدولة الاجتماعية بالمعرض الدولي للنشر والكتاب أن علاقة الدولة بالمجتمع في المخيال المغربي إلى غاية اليوم هي علاقة نفور. وعزا هذا النفور إلى كون العلاقة بين الحاكم والمحكوم ينظر إليها من معيار الفلسفة الدينية الإسلامية، حيث إن مسؤوليات الحاكم تأتي في إطار الاستخلاف، والإطار الرعوي؛ إذ يوفر الراعي للرعية الأكل والشرب والحماية من الذئاب، ولكن يمكن أن يذبحها ويأكلها. هذا الجانب، حسب المتحدث، هو الذي لا يزال يحكم المخيال المغربي، فإلى اليوم لا يزال يوجد الاعتقاد بأنه كلما ابتعدت عن الدولة المحصورة في مفهوم “المخزن” كلما ارتحت.
وعقد الباحث السياسي والاجتماعي مقارنة بين الثقافة السياسية بالمغرب وفرنسا، ففي المغرب عندما يكون المواطن في مشكل يحاول فكه بنفسك، لكن المواطن الفرنسي يلجأ للدولة.
هذه الثقافة السياسية التي تحكم الحاكم بالمحكوم في المغرب، حسب الطوزي، لا تنفي أن الدولة منذ القديم، منذ أن أصبحت دولة في المغرب كانت تحس أن هناك مسؤوليات تجاه الناس، لكنها تندرج في إطار الرعاية وليس في إطار حقوقي.
وأوضح أن المغرب بعد الاستقلال عرف توجهات للدولة الحامية ولكن من دون بعد مفاهيمي فلسفي، وتوالت الأحداث التي فرضت على الدولة تحمل مسؤوليات تجاه المجتمع. لكن على المستوى المؤسساتي والقانون، فإن التحول هو دستور 2011،الذي جاء بمسألتين مهمتين لتغيير تصورنا لعلاقة الدولة بالمجتمع والمواطن، وهو الجانب الحقوقي، الذي ورغم حضوره في دساتير سابقة لكنه أخذ مكانة جد مهمة خاصة في جانب الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى جانب الحكامة والخدمات العمومية ومسؤوليات الدولة في هذه الخدمات.
والمسألة الثانية أن الدستور أكد على أن جزءا كبيرا من شرعية الدولة يستمد بطريقة واضحة من السيادة الوطنية، والعلاقة بين السيادة الوطنية ومسؤولية الدولة لم تعد في إطار الرعاية، ولكن في إطار دولة تستمد سيادتها من الشعب والانتخابات، وهو ما يقدم مفهوما جديدا للمسؤولية (ليس جديدا ولكنه لم يكن واضحا بشكل كاف).
كما أن النموذج التنموي الذي جاء في سياق إخفاق نسبي للسياسة العمومية ومرحلة كوفيد، جعل المواطن في صلب سياسات الدولة؛ الدولة الحاضنة، كما أكد على قضية الثقة كمسألة مؤسسة لعلاقة الفرد بالدولة، فغياب الثقة بين الدولة والمجتمع، له نتائج وخيمة على التدبير العمومي.
وخلص الطوزي إلى التنبيه إلى أن الدولة الحامية بمفهومها الجديد جد مهمة، لكنها بانتظارات قوية وإمكانيات ضعيفة، لذلك ينبغي أن يكون هناك نقاش عومي كبير وصريح بعيدا عن الشعبوية ليكون منتجا.
ومن جانبه، قال عبد الله ساعفأستاذ العلوم السياسية والوزير السابق للتعلم إن مفهوم “الدولة الاجتماعية” بدأ يشهد اهتماما واسعا في البرامج السياسية والتصورات والخطابات بالمغرب بشكل لافت، مبرزا أن الدولة الاجتماعية مبنية على إشكالية الكرامة الإنسانية وتهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية. وتوقف على المعاني المتعددة التي يأخذها مفهوم الدولة الاجتماعية في القاموس المغربي.
وأوضح المتحدث أن “الاجتماعي” في القاموس المغربي يشير لنقط محددة، يأتي في مقدمتها التعليم والسكن والشغل والصحة، وله معنى آخر أيضا مرتبط بالمؤسسات الحكومية فالاجتماعي يبرز في قانون المالية من خلال أظرفة وميزانيات مخصصة لمعالجة القضايا الاجتماعية المختلفة، والمعنى الثالث مرتبط بالنقابات، حيث الاجتماعي يدور حول ملف مطلبي بمطالب مادية ومعنوية.
وبالإضافة إلى هذه المعاني، فإن مفهوم الدولة الاجتماعية، بدأ اليوم يأخذ معنى آخر، خاصة بعد الوباء وما فرضه، حيث شاهدنا كيف أن الدولة تطرقت للمسألة الاجتماعية وكانت مسألة مركزية في تدابيرها، إضافة إلى ما جاء على إثره من تغطية صحية وغيرها. هذه المعاني المتعددة، حسب ساعف، تجعل الاشتغال على الدولة الاجتماعية يصطدم بالقاموس المركب والمعقد لهذا المفهوم.
لكن وعموما، فإن قضية الدولة الاجتماعية أخذت أهمية منذ حوالي خمس سنوات، وأصبحت مسألة مركزية في الانشغالات المغربية، خصوصا وأن هناك التقاء مع ما حدث من تحولات سياسية في العشرية الأخيرة، من 2011 إلى اليوم، والمكانة التي أخذتها إشكالية الكرامة الإنسانية التي جعلتنا نكتشف إشكاليات جديدة لم نكن نضعها في المركز، وفجأة أصبحت في الشعارات والبرامج والخطاب السياسي، وبات البحث عن الكرامة الإنسانية موجها رئيسيا في السياسات.
وأكد ساعف أن الدولة الاجتماعية هي أحد العناصر الأساسية للإجابة على إشكالية الكرامة الإنسانية، وهو ما يفسر توسيع الاهتمام بهذه الدولة، وباتت تستخدم بشكل كبير، كما أنها تهدف لتحقيق العدالة الاجتماعية.
ونبه الأستاذ الجامعي إلى أن موضوع العدالة الاجتماعية بالمغرب يغلب عليه توجهان؛ الأول مبني على إعادة التوزيع؛ من زيادة في الأجور أو خفضها، والسياسة الضريبية، وتعزيز بعض القطاعات، والثاني مبني على التعويض، ارتباطا بضرر ما مثل الزلزال والفيضان والجفاف.
وأكد ساعف أن هذا الجانب المرتبط بالعدالة الاجتماعية المبني لحدود اليوم على التوزيع والتعويض، يجب تقويته بأبعاد أخرى، من قبيل تقليص الفوارق وإدخاله بشكل أقوى في السياسات العمومية.
ويجري الحديث بقوة عن الدولة الحامية أو دور الدولة في القطاع الاجتماعي بمعنى “الدولة الاجتماعية”، أولا نتيجة جائحة كوفيد 19 وما خلفته من جمود في النشاط الاقتصادي للبلاد، وكانت انعكاساته كارثية على الفئات الاجتماعية الهشة. وثانيا، بسبب ارتفاع الفقر خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي جعل المواطن يدق باب الدولة.