بدأ الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، زيارة من اسبانيا وستقوده إلى كل من موريتانيا ومخيمات تندوف والجزائر ، بالإضافة إلى قاعدة لقوات المينورسو في منطقة بئر لحلو، دون أن تشمل المغرب، وهو الأمر الذي يدل على وجود خلاف وتوتر حقيقيين بين الرباط والأمانة العامة للأمم المتحدة.
ويحلّ بان كي مون بالمنطقة غداة مصادقة مجلس الأمن على قرار يحثه على زيارة منطقة النزاع والأطراف المعنية به خلال هذا الشهر، وقبل صدور قرار جديد عن هذا المجلس في أبريل المقبل. وقد تحفظ المغرب على هذا التوقيت، حيث كان يحبذ أن تتم الزيارة في يونيو، أي بعد الدراسة الدورية لمجلس الأمن للحالة في الصحراء، التي يحين موعدها السنوي خلال أبريل.
إلا أن الجدل الذي رافق رفض المغرب للزيارة قبل أبريل، وهو ما جعل بان كي مون يستثنيه منها، لم يسلم منه تعبير الناطق الرسمي باسم الأمين العام عن برنامج ومراحل الزيارة، خاصة بعد كشف ستيفان دوجاريك أنها ستشمل منطقة بئر لحلو، وهي منطقة تقع خلف الجدار الدفاعي المغربي، يعتبرها المغرب ملكاً له، ومراقبتها تخضع لمسؤولية ومهام الأمم المتحدة، بينما تعتبرها البوليساريو أرضا محررة، وتوجد بها قاعدة لقوات بعثة المينورسو.
وذلك ما يجعلنا نتساءل عن خلفيات زيارة بان كي مون، في هذا الوقت بالذات، ولهذه المنطقة بالذات؟ وعن دواعيها؟ وعلاقتها بالمقترحات الجديدة، المعبر عنها، وغير المفصح عنها؟ ومستقبل العلاقات بين المغرب والأمم المتحدة بسبب تلك المقترحات؟
مؤشرات حالة دالة على توتر العلاقات بين المغرب والأمانة العامة للأمم المتحدة؟
ـ ساد اعتقاد أكيد أن بان كي مون كان عاقد العزم على القيام بزيارة إلى المغرب، قبل نهاية السنة الماضية، وبالضبط في شهر نونبر، غير أن تواجد الملك في الهند لحضور قمة الهند وأفريقيا، وتوجهه منها مباشرة إلى الصحراء، حيث ألقى خطاب المسيرة من العيون، جعل بان كي مون يتراجع عن القيام بتلك الزيارة، وبدون شك درءاً وتحفظا منه على لقاء الملك بالعيون، وتحفظا منه حتى على التوقيت الذي يصادف الذكرى الأربعين للمسيرة.
ـ وأثناء سريان زيارة الملك لإقليم الصحراء، احتجت تنظيمات المجتمع المدني أمام مقر بعثة المينورسو للمطالبة برحيل هذه الهيئة، التي ترى الهيئات المحتجة أنها حادت عن مهامها الأصلية، وكان على رأس هذه الوقفة رئيس المجلس الاستشاري لشؤون الصحراء خليهن ولد الرشيد.
ـ وقد تزامن ذلك الاحتجاج ومرور الملك بسيارته أمام مقر بعثة المينورسو بالعيون.
ـ وبعده مباشرة، صرح وزير الشؤون الخارجية والتعاون لوكالة الأنباء الاسبانية “إيفي” أن المغرب لن يسمح، مستقبلا، للسيد كريستوفر روس، المبعوث الشخصي للأمين العام، بزيارة مدن الصحراء، بدعوى أن المسؤولين المغاربة يتواجدون بالرباط، وعقبت الأمم المتحدة بأحقيته في ذلك، لأنه يملك تفويضا من مجلس الأمن.
ـ وأثناء مداولات مجلس الأمن لدراسة دعوة الأمين العام إلى زيارة الأطراف والمنطقة، تحفظ المغرب على تاريخ الزيارة، واقترح أن تتم في يونيو، أي بعد أبريل تاريخ المصادقة على تقارير الأمين العام بخصوص الحالة في الصحراء، ومع ذلك تتم الزيارة.
– وخلال زيارة كريستوفر روس إلى المنطقة، بما فيه المغرب، فشل في انتزاع قبول مغربي لزيارة بان كي مون قبل الموعد المعلن عليه في التحفظ، وبقي المغرب صامداً على موقفه، ودون أن يفلح بإصراره على ثني الأمين العام عن القيام بالزيارة.
– ويأتي الإفصاح والكشف عن برنامج الزيارة من طرف ستيفان دوجاريك، الناطق الرسمي باسم الأمين العام، ليعطي دليل القطع واليقين على رفض المغرب التراجع عن سابق تحفظه بخصوص زيارة بان كي مون له خلال هذه الفترة، وتمسكه بالوقت المعبر عنه وبضرورة التوافق على الزيارة مسبقاً، وليس بغتة وفجأة، ومن تقرير جانب واحد.
أسباب ودواعي اختيار بان كي مون لزيارة بئر لحلو
قد يدعي ويستند بان كيمون أن شمل زيارته لمنطقة بئر لحلو نابع من كونها جزء من إقليم الصحراء محل المنازعة بين المغرب وجبهة البوليساريو، والذي تديره الأمم المتحدة، منذ أن وضعت يدها على الملف بموافقة الطرفين، كما قد يبرر ذلك بوجود قاعدة لقوات بعثة المينورسو في المكان، والتي تستخدمها البعثة في عمليات مراقبة مهمة وقف إطلاق النار، وأن البعثة تحت إمرته ومسؤوليته، وتحت إشرافه وتوجيهه، وأن مبادرة هذه الزيارة جاءت من مجلس الأمن، الذي صادق على قرار ينتدبه لإجرائها.
إلا أن كل تلك المبررات لا تنزع عن زيارة الأمين العام للأمم المتحدة لمنطقة بئر لحلو تسجيل مواقف وقراءات وبعث رسائل إلى طرف واحد، هو المغرب، لكن ما هي؟
وهكذا، فإن اقتصرت زيارة بان كي مون على زيارة قاعدة قوات بعثة المينورسو في عين المكان لتفقدها، أو أخذ معطيات ومعلومات منها، أو اطلاع على سير عملها، فلا ضير من زيارته ومهمته، فهي تدخل ضمن ولايته واختصاصه.
لكن إن استقبلَ أو أُستُقْبِلَ من قيادة البوليساريو، فذلك يعتبر اتخاذاً منه لموقف مسبق لصالح طرف البوليساريو، لأنه مثلما تهرب من استقبال الملك له بالعيون لتحفظه على مكان وزمان الزيارة، فإنه لا يملك حق زيارة أو استقبال البوليساريو في منطقة ببئر لحلو، وفي تاريخ يتزامن والذكرى الأربعين لإعلان البوليساريو ما يسمى “الجمهورية الصحراوية”، فالأمر سيان على الأقل في نظر الأمم المتحدة بخصوص المكان: العيون وبئر لحلو، والذكرى الأربعون للمسيرة ونفسها لإعلان الجمهورية الصحراوية، ولطرفين في النزاع: المغرب والبوليساريو.
وإن تم خلاف الصورة المفصلة أعلاه، فإن إقدام بان كي مون على القيام بزيارة إلى منطقة بئر لحلو ولقاء البوليساريو فيها، قد لا يخرج عن ثلاث قراءات:
1- دوافع وأبعاد الزيارة سياسية؟
اتخاذه موقف لصالح البوليساريو، وعدم حياده، وانحيازه لصالحها، واعترافه لها الضمني بأحقيتها في منطقة متنازع عليها، ويعطي لسيطرتها عليها شرعية، رغم أن الطرف المغربي ينسبها لنفسه، ويجعلها ضمن مسؤولية الأمم المتحدة، وتعتبرها الأخيرة كذلك. وهو ما يجعل ويصنف تلك الزيارة بذات دلالات سياسية.
والمغرب مدعو لعدم التنازل عن حقه في توجيه سؤال إلى الأمين العام من أجل أن يوضح، وتسجيل اعتراضه على ذلك لديه ولدى أعضاء مجلس الأمن.
2- أسباب الزيارة ذاتية دفينة
وقد يكون الدافع من الزيارة شخصيا، وذاتيا، ولربما نابعا من رغبة بان كي مون في الانتقام لنفسه ضد المغرب الذي رفض زيارته قبل أبريل المقبل، والانتقام لمبعوثه الشخصي لرفض المغرب السماح له بزيارة مدن الصحراء في سابق سحب الثقة منه وتعليق زيارته، والثأر لنفسيهما.
هو احتمال قد يعد مستبعداً، لكن من طبائع البشر ومزاجه النفسي، فلا تستبعد أي شيء! وأي احتمال ودافع!
3 – الزيارة لها علاقة بالمقترحات الجديدة؟
السيناريو الثالث مرتبط ومتعلق بمحاولة الأمم المتحدة فرض أمر واقع ما على المغرب، قد يكون يرفض القبول به، لكن ماذا يكون هذا الأمر وما طبيعته؟ وشكله؟ ومؤشرات قيامه؟
بدءاً، لا بد من الإشارة إلى أنه في ظل شح المعلومة وتركيزها الحصري، واعتماد طابع احتكارها وحجبها، فإننا لا نملك غير التقاط واستراق الكلمات، والتصريحات، والمقابلات في صيرورتها، وتكرارها، وتعدد مصادرها ومقارنتها، وتحليلها، وإعادة بناء التصورات عليها، في محاولة للخروج بنتيجة واستنتاج معين.
أولا: الوثائق الأممية تحدد أجلا لتدخل مجلس الأمن، وهكذا، فانطلاقتنا في التحليل من تقرير الأمين العام لسنة 2014، وبالضبط التوصية 94، والتي عبر فيها مجلس الأمن عن حلول وقت تدخله للمشاركة في صناعة الحل في نزاع الصحراء، فضرب للأطراف موعدا لحصول اتفاقهما في سنة تحت طائلة تنفيذ قراره.
ثانيا: حلول موعد التدخل، ومنح أجل جديد غير مكتوب وغير محدد، وقد حل الميعاد المحدد في أبريل 2015، دون أن يصل الطرفان إلى حل ولا نفد مجلس الأمن قراره بالتدخل، وقد يكون ذلك راجع إلى إعطائه مهلة جديدة للأطراف لعلهما يدركان حلا سياسيا يقبلان به ويتوافقان عليه. وكون الأجل منحه مجلس الأمن من تلقاء نفسه، أو حتى بطلب من الطرفين، أو أحدهما، فالأمر سيان.
الملك يستبق الحلول والمقترحات الجديدة بالرفض
وخلال مناسبتين عبّر ملك المغرب عن رفضه للمقترحات والحلول الجديدة بداعي أنها لا تراعي الواقع. وهما مناسبتان استثنائيتان، ويبدو أنه تم انتقاؤهما بعناية خاصة لتوفيا بالهدف، فالأولى أممية وعالمية، خلال الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، والثانية وطنية، خلال الذكرى الأربعين للمسيرة ومن العيون. ولهما دلالة عميقة، وهي أن المغرب يُشهد العالم وكافة المغاربة على رفض هذه المقترحات وهذا التدخل وهذه الحلول.
طبيعة وشكل الحلول الجديدة
لم تعط الأمم المتحدة، ولا أمينها العام ولا الأطراف ولا الدول أصدقاء الصحراء، أي تسريب عن نوعية الحلول التي يتم تداولها، لتبقى كلمتا الملك المشار إليهما أعلاه، والواردتان بصيغة في الجمع، نعتهما للحل المرفوض، حيث جاء فيهما: “الحلول التي لا تراعي…”، لتعطيا بداية للدليل على كون الحل المقترح قد يكون على سبيل الاختيار بين عدة صيغ، أو أنه لربما يتخذ مراحل وأشكال في التقدم الزمني، وقد يكون مختلفا عبر المكان أو الأمكنة.
والأكيد أنه يتجاوز الحكم الذاتي المغربي، واستفتاء البوليساريو، وهو ما عبّر عنه بان كي مون في الرابع من نونبر 2015، بإبداء أسفه لعدم استغلال مبادرتي المغرب والبوليساريو المقدمتين في 2007.
ولهذا فإن بئر لحلو قد تكون مركزا أو نقطة للحل الذي تدعو له الأمم المتحدة، ولها دلالة خاصة لدى البوليساريو، حيث جعلت منها “العاصمة” للدولة المسماة “الجمهورية الصحراوية”، فهل قصد بان كي مون الاعتراف بهكذا تصور، وفي أي إطار؟
ختام وتوصية
الأهم من كل ذلك أن دبلوماسية المغرب فاقدة البوصلة، وتتأخر في استباق الأمور، ولا تنام إلا لتستيقظ على أزمة، ولا تطفئها إلا وفتيل آخر قد اشتعل، فقد ضلت الوجهة في منعطف ما. عليها التأمل والتفكير مليا وعميقاً وبعجالة، وتغيير الهياكل وطرق الاشتغال وقبل فوات الأوان، لعلها تجد السبيل والوجهة الصحيحة لتصل إلى بر الأمان قبل الآخرين.