شكلت زيارة وزير الخارجية الألماني للمغرب مناسبة للحديث عن استراتيجية التغيير التي ترغب دبلوماسية الرباط نهجها لتغيير الشركاء في العلاقات الخارجية في عالم يتغير باستمرار، وجرى إعطاء الزيارة حجما أكبر بسبب الأزمة الحالية مع فرنسا. بينما مؤشرات الواقع تؤكد ضعف علاقات برلين والرباط رغم القرب الجغرافي وعلاقات تاريخية متوسطة.
وزيارة فرانك شتاينمير الى الرباط لا يمكن اعتبارها قفزة نوعية في العلاقات الثنائية بين برلين والرباط لسببين رئيسين، الأول وهي زيارة تدخل تشمل منطقة المغرب العربي-الأمازيغي فقد زار المغرب الخميس وتونس يوم الجمعة والجزائر يومه السبت. والسبب الثاني هو تحديد وزارة الخارجية الألمانية أجندة الزيارة في البحث عن شركاء لمكافحة الإرهاب في الدول الثلاث بينما تطوير العلاقات الثنائية يبقى ثانويا في أجندة الوزير في العواصم الثلاث.
وهذه الزيارة هي أمنية وقريبة في أجندتها من زيارة وزير داخلية وليس عميد للدبلوماسية الألمانية، ولا تشكل منعطفا لأي دولة من دول المغربي العربي-الأمازيغي بل تجعلها في خانة تقديم الخدمات البوليسية لأوروبا في الوقت الراهن.
ضعف العلاقات السياسية
ورغم القوة التي تكتسبها المانيا بالتدريج في المشهد السياسي الأوروبي والعالمي، يستمر المغرب دون النجاح في تطوير العلاقات مع هذا البلد الأوروبي العملاق، ويمكن فهم هذا على مستوى ضعف الاستثمارات وضعف اللقاءات الثنائية.
ورصدت ألف بوست فقر العلاقات بين الرباط وبرلين لزيارات على مستوى عال جدا، إذ لم يسبق لأي مستشار ألماني (رئيس حكومة) زيارة المغرب خلال 15 سنة الأخيرة، ويبقى اللقاء الوحيد الذي جرى بين الملك والمستشارة أنجيلا ميركل هو الذي حدث على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك منذ خمس سنوات وكان لقاءا بروتوكوليا فقط.
ولإبراز المستوى المحدود للعلاقات الثنائية دبلوماسية أن الرباط كانت قد شهدت خلال سبتمبر 2013 “إعلان الرباط لتطوير العلاقات الثنائية بين المانيا والمغرب”، ولم يشارك فيه أي وزير الماني بل فقط قام المدير الإقليمي للشرق الأدنى والأوسط والمغرب العربي بوزارة الشؤون الخارجية الألمانية بتسليم رسالة إلى وزير الخارجية المغربي وقتها سعد الدين العثماني، من نظيره الألماني، غيدو فيسترفيلي الذي جاء في مكانه فرانك شتاينمير. والتساؤل هنا: هل يعقل أن إعلانا لتطوير العلاقات بين البلدين يقتصر فقط على تسليم رسالة.
ضعف العلاقات الاقتصادية
ورغم قوتها الاقتصادية العالمية، فالمانيا تشكل الشريك التجاري الثامن للمغرب بتبادل تجاري سجل مليار و400 مليون يورو سنة 2013 بينما صادرات المانيا نحو العالم تجاوزت سنة 2012 ألف مليار يورو. وتتواجد 120 شركة المانية في المغرب بعضها مسجل دون نشاط والآخر له استثمارات في النسيج وبعض الصناعات الغذائية بينما حجم هذه الاستثمارات هو ضعيف للغاية، وسجلت سنة 2011 مثلا استثمارات بقيمة 61 مليون يورو، وهو رقم أكثر من هزيل مقارنة مع قوة المانيا.
بل سجلت العلاقات الاقتصادية توترا على رأسها احتجاج برلين على منح المغرب القطار السريع لفرنسا دون طرحه للمنافسة الدولية كما تنص قوانين الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وقامت بعرقلة مشاريع تمويل أوروبية للمغرب.
ووجهت الشركات الألمانية ضربة حقيقية لمشروع اقتصادي ضخم في المغرب عندما أعلنت شركة سايمنس وشركة بوش الألمانيتين في يوليو 2013 الانسحاب من مشروع دزيرتيك الخاص بإنتاج الطاقة من الطاقة الشمسية كان سيقام في الجنوب المغربي والجزائري.
أسباب ضعف العلاقات
وفي رصد أسباب ضعف العلاقات المغربية-الألمانية طيلة العقود الأخيرة:
-غياب هجرة مغربية قوية الى المانيا مقارنة بدول مثل بلجيكا وفرنسا رغم أن أول اتفاقية جلب اليد العاملة وقعت بين البلدين كان سنة 1963.
-ضعف اهتمام الطبقة السياسية المغربية والثقافية والصحفية بألمانيا، إذ تغيب المانيا في وسائل الاعلام المغربية باستثناء في الرياضة بين الحين والآخر وأخبار ضعيفة.
-تركيز الدبلوماسية المغربية ولمدة طويلة على تطوير العلاقات مع دول مثل فرنسا واسبانيا دون الاهتمام بالمانيا، حيث اعتقدت الرباط لمدة طويلة أن المانيا تفتقد للوزن السياسي في الساحة الأوروبية والعالمية.
-ضعف اهتمام المانيا بالمغرب العربي والاعتقاد أنه منطقة نفوذ فرنسية. وكان موقع DW قد نشر خلال سبتمبر 2013 تصريحات إيلينور تسينو ماملات من مؤسسة كونراد أدناور حول العلاقات المغربية-الألمانية “الربيع العربي جعل تونس وم