وضعت الصين خططا لاستعادة تايوان الى حظيرة الوطن نهاية العقد المقبل، غير أن زيارة رئيسة الكونغرس الأمريكي نانسي بيلوسي الى الجزيرة خلال هذا الأسبوع جاءت لتعمل على تسريع هذا الإيقاع، ومن المحتمل أن تفرض بكين سيناريو جديد بالضغط القوي على الجزيرة لاستعادتها نهاية العقد الجاري.
وجاءت زيارة نانسي بيلوسي تايوان يومي 2- 3 أغسطس/آب 2022 تحت شعار دعم ديمقراطية الجزيرة الصغيرة في مواجهة النظام الشيوعي في بكين، وتعد أول زيارة لمسؤول أمريكي من هذا المستوى بعد زيارة رئيس الكونغرس الأمريكي للجزيرة سنة 1997. وكانت الظروف مختلفة سنة 1997، كانت الصين قد حصلت في عهد الرئيس بيل كلينتون على امتياز “الأفضلية التجارية” وعملت على تطوير العلاقات التجارية، ولم تكن تبدي اعتراضا كبيرا على زيارات مسؤولين أمريكيين لتايوان بعدما التزمت واشنطن ب “صين موحدة”. في الوقت ذاته، كانت بكين تخصص مجهوداتها لاستعادة هونغ كونغ.
زيارة بيلوسي تخلف ردود فعل عنيفة من طرف الصين ضد الولايات المتحدة، وتعد منعطفا حقيقيا في علاقة الجزيرة بالصين. ولخصت جريدة غلوبال تايمز الصينية في عدد الجمعة نتائج هذه الزيارة حاليا ومستقبلا بما يلي” زيارة بيلوسي إلى تايوان هي انتهاك صارخ لمبدأ صين واحدة وتعديًا على سيادة الصين. لقد دفعت الصين إلى اتخاذ تدابير مضادة ضرورية ذات طبيعة دفاعية. مع استمرار تدريبات جيش التحرير الشعبي حول الجزيرة ، يرى العالم بوضوح أين يقع الخط الأحمر للصين وقد أدرك بشكل أفضل أن الولايات المتحدة لا تستطيع حماية انفصاليي تايوان ولو بنفس القوة العسكرية التي قال الخبراء إن الولايات المتحدة فخورة بالحفاظ على هيمنتها العالمية”.
معارضة الجيش الأمريكي للزيارة
من ضمن المعطيات البارزة لزيارة رئيسة الكونغرس بيلوسي الى تايوان موقف المؤسسة العسكرية الأمريكية التي أعلنت عن موقف مضاد. وتولى البيت الأبيض بداية الأسبوع الماضي الإعلان عن قلق وغضب الجيش من الزيارة. ويعود هذا الى ثلاثة عوامل رئيسية وهي:
في المقام الأول، لا تستطيع الولايات المتحدة الدفاع العسكري عن تايوان في الوقت الراهن بسبب تركيز الجيش الأمريكي على الدفاع عن أوروبا خوفا من امتداد الحرب الروسية ضد أوكرانيا الى باقي القارة الأوروبية. إذ رغم القوة العسكرية التي تتوفر عليها الولايات المتحدة، فالأمر هنا يتعلق بالصين، وهي قوة نووية وقوة عسكرية عظمى تمتلك أسلحة لا تمتلكها الولايات المتحدة وهي الصواريخ فرط صوتية قادرة على قلب أي معادلة. في الوقت ذاته، يصب الدعم اللوجيستي العسكري لصالح الصين بحكم القرب الجغرافي بين هذا البلد وتايوان، بينما الولايات المتحدة بعيدة بآلاف كلم من مكان المواجهة. ولا يوجد أي سيناريو حربي يبرز قدرة البنتاغون على حماية الجزيرة إذا قررت الصين الهجوم عليها باستثناء حرب نووية، وهو أمر مستبعد.
في المقام الثاني، تعرقل الزيارة استراتيجية الانتشار الأمريكي في منطقة الهادي جنوب شرق آسيا، لأن بكين ستمارس ضغوطا أكبر على دول المنطقة لكي تعمل على تقليص تعاونها العسكري مع البنتاغون، وهذا سيمس الديمقراطية في المنطقة. وتعد المنطقة استراتيجية لمستقبل واشنطن بعدما تخلت عن الشرق الأوسط، وها هي الآن تواجه معطى جديد سيدفعها الى تغيير أجندة العمل.
في المقام الثالث، كانت واشنطن تراهن على بكين لإقناع روسيا بوقف الحرب ضد أوكرانيا، واعتقدت في هذه الإمكانية بعدما تأكدت بعدم تقديم الصين لروسيا أسلحة حتى الآن. غير أن زيارة بيلوسي الى تايوان ستدفع بكين إلى عرض المساعدة العسكرية على روسيا ضدا في الولايات المتحدة، رغم أن موسكو ليست في الحاجة الى المساعدة العسكرية. ويكفي أن الصين علقت الحوار العسكري الثنائي مع واشنطن بعد الزيارة، وعليه، كيف ستبحث معها ملفات مثل أوكرانيا.
وتقاسم البيت الأبيض قلق الجيش، بل ذهبت معظم وسائل الاعلام الغربية إلى انتقاد هذه الزيارة، وتعتبرها غير مناسبة وتضعف الغرب برمته لأنها تبرز القوة الصينية. ومن ضمن الأمثلة، اعتبرت جريدة لوموند الفرنسية في افتتاحيتها يوم الجمعة من الأسبوع الجاري بأنها زيارة غير مناسبة نهائيا وتأتي بنتائج عكسية.
الصين والفرصة الذهبية
تعتبر الصين الزيارة بمحاولة إهانتها والتقليل من وضعها الاعتباري في الساحة الجيوسياسية العالمية. وعليه، وجدت نفسها مطالبة بالتحرك على المستوى القريب والمتوسط والبعيد للدفاع عن “شرفها” أمام الرأي العام الصيني، ثم أمام المنتظم الدولي. وتحاول واشنطن التقليل من الزيارة بتأكيدها على وحدة الصين الموحدة شريطة أن لا تتم الوحدة على حساب الديمقراطية وبالسلاح.
وأصبحت زيارة بيلوسي الى تايوان الفرصة الذهبية للصين لتنفيذ أجندتها السياسية والعسكرية تجاه تايوان بإيقاع أسرع وبأشكال مختلفة. قد خططت الصين لاستعادة تايوان نهاية عقد الثلاثينات، لتصبح الصين الموحدة الكبرى سنة 2047، وهو التاريخ الذي يصادف بدء الصين الجديدة الكبرى. وتعمل بكين على هذه الاستراتيجية السلمية التي تقوم على دولة واحدة ونظامين، أي تمتيع تايوان بنوع من الحكم الذاتي وسط الوطن الصيني.
غير أن هذه الاستراتيجية لم تعد صالحة بعد الزيارة، وتهدف بكين الى تقليص المدة الزمنية بعشر سنوات كاملة، حيث قد تقدم بكين على ضم الجزيرة مع سنة 2030، أي في ظرف ثمان سنوات. وقال المحلل الصيني وو يونبينغ الذي يدير معهد الدراسات الاستراتيجية حول تايوان “ربما، وبدون وعي منها، تكون بيلوسي بزيارتها قد سرعت بمسلسل الوحدة الصينية”، في إشارة الى قرار الصين استعادة تايوان.
وبدأت هذه الاستراتيجية بأكبر مناورات عسكرية صينية تجاه تايوان، تتجلى في سيناريو محاكاة فرض حصار كبير على الجزيرة بهدف استعادتها. ولعل المنعطف هو استعمال صواريخ مرت من أجواء تايوان ثم خرق عشرات الطائرات المقاتلة لأجواء الجزيرة، والأمر نفسه مع سفن عسكرية دخلت المياه الإقليمية لتايوان.
ويبدو أن الطبقة السياسية الأمريكية وعلى رأسها رئيسة الكونغرس بيلوسي لم تستوعب خطورة زيارتها على السلطات والرأي العام في الصين، في حين كان الجيش واعيا ولهذا طالب بعدم إجراء الزيارة، فالمؤسسة العسكرية تدرك أن الزيارة هي فرصة ذهبية للجيش الصيني لتسريع استعادة تايوان ومحاصرة النفوذ الأمريكي بما فيه العسكري، وهو ما بدأ بالفعل من خلال المناورات الضخمة. وبهذا، يكون العالم قد دخل مرحلة جيوسياسية جديدة لا تقتصر فقط على الصين وتايوان بل مواجهة بين بكين وواشنطن.