أعلن الحلف الأطلسي احتمال إرسال منظومة الدفاع الجوي الشهيرة باتريوت لمساعدة كييف في مواجهة الهجمات الروسية. ويبقى التصريح مجرد إعلان نوايا لا يتجاوز الفرضية لأن نشر هذه المنظومة في الأراضي الأوكرانية يعني أن أوكرانيا ستصبح بشكل غير مباشر عضوا في هذه المنظومة العسكرية، الأمر الذي قد ترتب عنه رد فعل قوي من طرف موسكو.
واحتضنت العاصمة بوخاريست الثلاثاء من الأسبوع الجاري اجتماعا لوزراء خارجية أعضاء الحلف الأطلسي، واتخذ مجموعة من القرارات التي تبقى معلقة طالما لم تدرسها الأركان العسكرية في الدول الأعضاء وخاصة الولايات المتحدة وترى مدى تطبيقها. وعادة ما يكون هناك فرق بين التصريحات والنوايا السياسية لاجتماعات المسؤولين المدنيين في الحلف الأطلسي مقارنة مع قرارات المسؤولين العسكريين.
ومن ضمن التصريحات اللافتة تلك التي صدرت عن الأمين العام للحلف الأطلسي ينس ستولتنسبرغ الذي كشف عن بحث الحلف الأطلسي إرسال نظام باتريوت الى أوكرانيا، رغم أنه ألمح إلى صعوبة هذا القرار معللا أنه يتطلب تدريبا خاصا وتوفير قطع الغيار. لم يتأخر الرد كثيرا، حيث جاء من نائب رئيس مجلس الأمن القومي سيرجي مدفديف الذي حذّر من خطورة هذا القرار. كما جاء الرد العسكري من البنتاغون نفسه، حيث قال الناطق باسم البنتاغون باتريك رايدر، في إفادة صحافية يومية، إن “الدفاع الجوي لا يزال يمثل أولوية قصوى بالنسبة لوزارة الدفاع والمجتمع الدولي فيما يتعلق بدعم أوكرانيا، لكن في الوقت الحالي ليست لدينا خطط لتزويد أوكرانيا ببطاريات باتريوت، وإن كنا سنواصل المناقشات حول هذه المسألة”.
ورغم أن تصريح تزويد أوكرانيا بنظام باتريوت صادر عن الأمين العام للحلف الأطلسي، غير أنه لا يجب الاعتقاد في تطبيقه لأنه يوجد فرق بين تصريحات العسكريين والمدنيين. في هذا الصدد، عندما كان الطرف المدني في الحلف الأطلسي يروج لفرضية استعمال روسيا السلاح النووي، كان البنتاغون وعدد من قادة الأركان العسكرية في دول غربية يؤكدون أن جميع الأسلحة النووية الروسية مازالت في أماكنها، ويستبعدون نهائيا هذه الفرضية. وغابت رواية السلاح النووي نهائيا من الخطاب العسكري للمدنيين في الوقت الراهن بعدما شغلت الرأي العام العالمي لأسابيع. ويتكرر الأمر نفسه مع باتريوت، فدعم أوكرانيا بهذا السلاح صدر عن المدنيين وليس العسكريين. وتوجد أسباب منطقة تمنع بشكل نهائي إرسال الحلف الأطلسي وهاصة البنتاغون للباتريوت إلى أوكرانيا وهي:
في المقام الأول، عدد قليل من الدول الغربية التي تتوفر على بطاريات محدودة من الباتريوت وهي اليونان والمانيا وبولندات أساسا، وبالتالي لن تغامر بإرسال هذه المنظومة وهي في أمس الحاجة لديها. وكانت برلين قد رفضت الحسم في إرسال الباتريوت الى أوكرانيا، مشيرة أن الأمر يتعلق بقضية قومية للأمن الألماني. إذ يزود الغرب أوكرانيا بسلاح هجومي متطور مثل صواخري هيمارس الهجومية أو جافلين المضادة للدبابات والمدعرات ولكنه لا يزودها بسلاح دفاعي متقدم ضد الصواريخ الروسية، لاسيما وأن روسيا تقصف بعنف البنيات التحتية لهذا البلد. وكانت الولايات المتحدة قد سحبت عدد من البطاريات التي كانت في دول مثل العربية السعودية لنقلها الى جنوب شرق آسيا بسبب عدم توفرها على العدد الكافي تحسبا للدفاع عن تايوان ومواجهة الصين.
في المقام الثاني، نظام الباتريوت غير قادر على اعتراض فعلي للصواريخ الروسية المتطورة سواء المجنحة مثل كلبير وإكسندر وتبقى عاجزة كل العجز أمام الصواريخ فرط صوتية مثل تشيركون وكيندال. وكان الباتريوت عن عجز عن اعتراض عدد من الصواريخ الباليستية غير المتطورة التي أطلقها الحوثيون ضد السعودية في حرب اليمن. وكانت جريدة نيويورك تايمز قد كتبت عندما قصف الحوثيون قاعدة الأمير خالد الجوية نهاية 2017 أن “فشل باتريوت مسألة أمن قومي أمريكي لأنها تبرز ضعف منظومة الدفاع الجوي الأمريكي”. وعلاقة بالحرب الحالية، تعلن أوكرانيا بين الحين والآخر عن اعتراض عشرات الصواريخ المجنحة الروسية، وهي تصريحات غير صحيحة عسكريا، نظرا لحجم الدمار الذي تتعرض له أوكرانيا ونظرا لافتقارها منظومات جوية متقدمة للدفاع. وتمتلك الولايات المتحدة أنظمة دفاع جوي متقدمة مثل ثاذ Thad وأيجيس Aegis خاصة باعتراض الصواريخ الباليستية ذات الرؤوس النووية وليس المجنحة أو فرط صوتية مثلما يحدث في الحرب الأوكرانية. ويبقى الباتريوت في مستوى إس 300 الروسي أو أقل منه. والمفارقة أن أوكرانيا تستعمل غس 300 لمواجهة الصواريخ الروسية، غير أن هذه الصواريخ متطورة لأتها تعود لسنوات قليلة بينما نظام إس 300 يعود الى الثمانينات.
في المقام الثالث، يعد نشر بطاريات باتريوت في الأراضي الأوكرانية بمثابة الانضمام العملي، بدون إعلان سياسي، لأوكرانيا إلى الحلف الأطلسي، علما أنه من أسباب الحرب الحالية تخوف موسكو من انضمام أوكرانيا. وعليه، كل عملية نشر باتريوت ستسبب في رد روسي قاسي للغاية بالرفع من القوة النارية التي تستهدف بها أهدافا في أوكرانيا. وقد تلجأ روسيا الى استعمال مكثف للصواريخ فرط صوتية، وهذا يعني دخول الحرب مستوى آخر. واستعلمت روسيا ثلاث مرات ثلاث صواريخ فرط صوتية منذ بداية الحر لضرب أهداف دقيقة للغاية كان معظمها مخازن أسلحة غربية ومصنعا لسلاح الأوكراني.