ما تزال أشواط النقاش الوطني لإصلاح منظومة العدالة، تتأرجح بين الأخذ والرد بين مهنيي القطاع، ويتواصل النقاش راهنيا حول “مسودة مشروعي القانونين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة ” المنشورين بالموقع الرسمي لوزارة العدل والحريات. حيث تباينت المواقف بين مضامين المُسودة ومقترحات جمعيات المهن القضائية، هذه الأخيرة توافقت حول تنقيح المسودة، لكنها لم تتوفق في توحيد مقترحاتها وتقديمها مشتركة للجهات المعنية.
انبثق عن النقاش الوطني لإصلاح منظومة العدالة، مُسودتا مشروعين قانونيين تنظيميين للقضاة والسلطة القضائية، وقد عقدت وزارة العدل والحريات، لقاءات جهوية لبسط مضامين مسودتيها أمام الفاعلين في القطاع، وتبادل الرأي في إطار تشاوري للفصل في النسخة النهائية للقوانين المنظمة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة، وهو النقاش الذي تباينت من خلاله مواقف جمعيات المهن القضائية، ومقترحات الوزارة الوصية، حيث أكدت الأستاذة رشيدة أحفوظ رئيسة ” الجمعية المغربية للقضاة ” في تصريح ل”أخبركم”: “إن المشروع موضوع النقاش الوطني، تتخلله تراجعات دستورية” ضاربة المثل بـ (الفصل 111، والمواد 86 و88 و..و…). موضحة أن جمعيتها قد تقدمت إسوة بالجمعيات المهنية الأخرى بمقترحاتها وملاحظاتها حول مسودتي المشروعين، ملمحة أن القاسم المشترك الذي يُحرك النقاش هو الدفع في المقام الأول في اتجاه استقلال السلطة القضائية، ومدخله هو المساهمة الفعلية والفاعلة في إثراء النقاش الدائر راهنا حول إصلاح منظومة العدالة.
وأضافت رئيسة “الجمعية المغربية للقضاة” في معرض تصريحها لـ”أخبركم”: أنه كان من المفروض إشراك القضاة والفاعلين في أسلاك القضاء في إعداد مسودة مشاريع القوانين الموضوعة حاليا على موائد النقاش” مشيرة في السياق ذاته إلى أن جزءا مهما من المقترحات والملاحظات التي تقدمت بها الجمعية خلال مشاوراتها مع السيد وزير العدل والحريات، بالرغم من أهميتها لم تدرج كاملة.
“إننا نطالب بشدة ونؤكد على استقلال السلطة القضائية” تقول رشيدة أحفوظ، ملمحة في الوقت ذاته أن ما تدفع في اتجاهه القوانين موضوع النقاش الحالي إنما لتقوية موقع المسؤول القضائي، على حساب سلطة القاضي، لدرجة تخول له حق توجيه التنبيه للقضاة، وهو الفعل الذي يمكن تشبيهه بالدفاع عن الباطل بالباطل، كونه يشكل شبحا يقض مضجع القضاة، ويتنافى بالتالي مع البناء الحقيقي للقضاء المستقل.
وأشارت السيدة الرئيسة إلى أن المقترح الذي تتضمنه المسودة الوزارية، والقاضي بالسماح لأي حامل للدكتوراه بولوج سلك القضاء، سيفتح الباب على مصراعيه أمام تخصصات لا علاقة لها بالمجال، مُبدية تخوفها أن يكون ذات الاقتراح بمثابة بوابة يريد البعض استغلالها لأغراض قد تسيء للقضاء برمته. مُتسائلة في نفس الوقت حول تواجد دكتور “طبيب أو صيدلي” ومدى علاقة تخصصه بسلك القضاء؟ مُضيفة أن القضاء مجال للقانون وليس للطب و الفلسفة أوالآداب والعلوم.
وركزت الأستاذة “رشيدة أحفوظ” على أن المادة 14 من مسودة مشروع النظام الأساسي للقضاة والقاضية بـ” أن يكون المرشح حاصلا على شهادة الماستر في العلوم القانونية أو الشريعة أو ما يعادلها ” هي علامة من علامات قف وإشارة من إشارات المنع، يحاول المشروع وضعها في وجه أبناء العائلات الفقيرة من أبناء الشعب المغربي، مُصرة على الإبقاء على شهادة الإجازة في الترشيح، حتى يتسنى لأفواج الشباب الحاملين للإجازة ولوج أسلاك القضاء، مُلمحة على حد تعبيرها إلى أن شهادة الماستر في مغرب اليوم يجب أن تخضع للشروط التي تمكن كافة فئات الشعب من تحصيلها، وذلك في إطار تكافؤ الفرص.