رؤية نقدية لخطاب الملك محمد السادس حول كورونا/د. حسين مجدوبي

الملك محمد السادس

تبنى الملك محمد السادس لغة تحذيرية من القادم من التطورات المرتبطة بالوباء العالمي فيروس كورونا  في خطابه بمناسبة عيد العرش، وحاول إرفاق التحذير بمقترحات عملية للصمود الاقتصادي والاجتماعي في وجه موجة الانكماش التي لا تمس المغرب فقط بل تصيب دول العالم وتهدد استقرارها، وإن كان بدرجات متفاوتة  تماشيا مع مستوى النضج المؤسساتي ومستوى الشفافية والتكامل الإقليمي.

ومن باب المقارنة، هذه هي المرة الرابعة في مجمل هذه الخطب التي يتبنى فيها الملك لغة التحذير، بل التحذير من النتائج المترتبة عن قضية أو ظاهرة ما. وكانت المرة الأولى خلال افتتاح البرلمان إبان أكتوبر 2013 عندما نبه الى الوضع الصعب لملف الصحراء، وكانت المرة الثانية عندما تحدث خلال يوليوز 2014 بقلق عن غياب التوزيع العادل للثروة بمقولته الشهيرة: أين الثروة؟ وتجلت المرة الثالثة في اعترافه بفشل النموذج التنموي في خطاب أمام البرلمان سنة 2017، وهذه هي المرة الرابعة في خطاب يوليوز 2020 التي يتحدث فيها بلغة تحذيرية بقوله “أقول بكل صدق: إن عواقب هذه الأزمة الصحية ستكون قاسية، رغم الجهود التي نقوم بها للتخفيف من حدتها”.

لقد أرفق الملك خطاب العرش الذي تمحور حول الجائحة بمقترحات وهي ضخ 120 مليار درهم (11 مليار يورو) لدعم الاقتصاد الوطني ثم تعميم التغطية الصحية والاجتماعية خلال الخمس سنوات المقبلة علاوة على  إحداث وكالة وطنية مهمتها التدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة، ومواكبة أداء المؤسسات العمومية.

ويواجه المغرب وضعا صعبا للغاية جراء أزمة فيروس كورونا، وعالج صاحب هذا المقال التحديات في مقال بعنوان “المغرب: كورونا منعطف شبيه بحرب تطوان” بتارخ 11 مايو الماضي، وذلك من خلال المقارنة بين انعكاسات تلك الحرب التي أدت الى سقوط المغرب في شبكة الاستعمار سنة 1912. والتحديات التي يواجهها المغرب تنقسم الى قسمين، اقتصادية من جهة وسياسية-اجتماعية من جهة أخرى.

اقتصاديا، يعتمد 20% من الاقتصاد المغربي على تحويلات المهاجرين المغاربة وعائدات السياحة ثم المساعدات المالية من الغرب وبعض الدول الخليجية، هذه المصادر الثلاثة تضررت بشكل مرعب. يضاف الى هذا التراجع المرتقب في الاستثمارات الأجنبية ثم تقلص الصادرات بشكل ملحوظ لغياب الاستهلاك في الأسواق التقليدية وهي أوروبا.  كلها معطيات تشير الى أسوأ سنة مالية للمغرب منذ حصوله على الاستقلال. وسيكون وضع المغرب مثل الكثير من الدول التي تشبه ذلك الشخص الذي يكون لديه عمل ويجد نفسه في لحظة مطرودا ويعيش على تعويضات البطالة، أي عليه تدبير أمر باقي المصاريف.

بعيدا عن الثناء المعقول واللامعقول ونبرة التشاؤم، التعامل مع الخطاب الملكي يتطلب نظرة نقدية قائمة على الرؤية المنطقية والبراغماتية وهي:  هل يتوفر المغرب على الموارد المالية الكافية؟ هل التجارب السابقة تجعل التفاؤل يحضر في التعاطي مع الخطاب الملكي؟ ثم هل الأجواء السياسية-الاجتماعية التي تمر منها البلاد تعد محفزا لتحقيق اللحمة الوطنية؟ أربعة عوامل حضرت في الماضي وعرقلت مسيرة التطور، وسيكون ثقلها أكبر في المستقبل وهي:

في المقام الأول،  لا يتوفر المغرب على الموارد المالية الكافية لتمويل المشاريع الاجتماعية والاقتصادية، فمن جهة، المديونية بشقيها الداخلي والخارجي تفوق 90% من الناتج القومي الخام وقد تتجاوز نهاية السنة 100% بسبب الاستمرار في المديونية. ومن جهة أخرى، تغيب الروح الوطنية الحقيقية عن الفاعلين الاقتصاديين بسبب هيمنة سياسة الريع والاحتكار الوحشي التي جعلت البلاد تعيش أعلى مراتب نيوليبرالية المتوحشة.  الفاعلون الاقتصاديون عاجزون في المغرب على مواكبة تطلعات الشعب اقتصاديا بسبب هيمنة الربح السريع، ولا يشهد الوطن تجديدا في النخب الاقتصادية. ويكفي كيف ساهمت الشركات في صندوق كورونا لتحصل لاحقا على خصم المساهمة من الضرائب.

في المقام الثاني، التجارب السابقة للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي لم تسفر عن نتائج مرضية. فقد واكبها ضجيج الثناء والإشادة المفرطة “بمخطط التنمية البشرية” بدل إخضاع النتائج للفحص والتمحيص، وبعد سنوات اعترف الملك نفسه بفشل المخطط التنموي. وقبل الاعتراف ورغم مؤشرات الفقر الفظيع وظواهر مثل تفاقم الهجرة السرية والتقارير الدولية، كان كل من سولت له نفسه في السابق بانتقاد نتائج المبادرة يتعرض للرجم المعنوي ويتم وسمه “بالخارج عن الإجماع والجماعة”.

في المقام الثالث، تراجعت ثقة المواطن المغربي في المؤسسات ومن عناوينها تراجع المشاركة في الانتخابات التي تعد مقياس الثقة في المستقبل. في الوقت ذاته، تراجع دور النخبة التي أصبحت في معظمها تبحث عن موطئ ربح في اقتصاد وسياسة الريع ثم تخصص صحافة معنية في التهجم على كل صوت مخالف الى مستوى الاعدام المعنوي. ولنتساءل: هل يمكن لخطاب مصيري مثل الذي ألقاه الملك الأسبوع الماضي أن لا يثير نقاشا عميقا ومستمرا حول مستقبل البلاد؟ نعم هذا ما يحدث، لا نقاش ولا هم يحزنون.  وهذا مؤشر خطير لاسيما إذا تمت مقارنته مع دول الجوار الإقليمي في شمال إفريقيا وجنوب أوروبا، حيث التنافس الفكري لإعادة بناء الوطن.

في المقام الرابع، تعيش البلاد احتقانا سياسيا واجتماعيا بسبب هيمنة النظرة الأمنية. وأصبحت عناوين المغرب هي الاعتقالات في صفوف نشطاء الإعلام والمجتمع المدني بدل تغليب الحوار والتشاركية. لنتأمل ولنقارن المثالين: شهد المغرب حركة 20 فبراير وحراك الريف الاجتماعي وظهور صحافة رقمية جديدة، وانتهى بجل الفاعلين ما بين السجن والتشرد، وشهدت اسبانيا حركة 15 مايو وصحافة رقمية قوية، وانتهى المطاف بالفاعلين وروادها الى المشاركة في الحكومة وتسيير مؤسسات الدولة الاعلامية والسياسية. هذا الفرق بين النضج وتطبيق الوطن للجميع وبين محدودية الأفق واعتبار الوطن ملكية لفئة محدودة.

هذه المرة، التحدي الذي تفرضه كورونا عظيم في رعبه لأنه لا يتعلق بتحد يتطلب شهرا أو ولاية من الحكم بل هو المنعطف نحو الرقي أو نحو مزد من السقوط والتخلف. والانتقال الى المستقبل يبدأ بنقاش حر ومسؤول وبدون سيف دومقليس على الرؤوس، كما يتطلب انفراجا سياسيا حقيقيا.

Sign In

Reset Your Password