قررت الدولة المغربية تشكيل لجنة وزارية للرد على تقارير الجمعيات الحقوقية الدولية حول مضمون تقاريرها بشأن الوضع الحقيقي لحقوق الإنسان، لكن التساؤل الذي يطرح نفسه هناك بقوة: لماذا لا تشكل لجنة للرد على التقارير حول تدهور الأوضاع المعيشية واختلاس الأموال العمومية؟
ويوجد صنفان من الدول في التعاطي مع التقارير الدولية، صنف يتعامل بنوع من الليونة والحوار، ويتعلق الأمر بالدول الديمقراطية والسائرة حقيقة في طريق الديمقراطية. وترى هذه الدول في الجمعيات الحقوقية الدولية مثل أمنستي أنترناشنال وهيومن ريت ووتش بوصلة تستنير بها في تصحيح الخروقات التي يمكن أن تحصل. وعادة ما تكون هذه التقارير مكملة بحكم توفر هذه الدول على مراقبة برلمانية تؤسس لجن للتحقيق والتقصي كلما وقع خرق يلفت الانتباه.
ويتميز الصنف الثاني من الخشونة والوطنية الزائدة، إذ ترى هذه الدول في تقارير الجمعيات الحقوقية الدولية وحتى الوطنية عدوا حقيقيا يجب دحض مضمون تقريرها بدل جعل عمل هذه الجمعيات موجها وشريكا. وكانت الدولة المغربية طيلة عقود ترد بعنف على هذه الجمعيات، ولكنها التزمت في لحظات تاريخية خاصة ما بين 1997-2007 نوعا من الحوار معها. والآن وفي أواخر العقد الثاني من القرن العشرين، تتبنى الدولة المغربية استراتيجية المواجهة بدل الحوار، وتقرر تأسيس لجنة وزارية ستعمل على تقديم روايات مختلفة، هي مرفوضة مسبقا، بحكم غياب الثقة في التقارير الحكومية.
والمثير للشفقة هو تزعم وزير حقوق الإنسان مصطفى الرميد هذا النوع من المزايدات، وهو “الشخصية السياسية” الذي كان حتى بالأمس القريب يجعل ن هذه التقارير مصحفا ثانيا في مواجهة الدولة، والآن يهاجمها بكل ما أوتي من قوة.
لكن، إذا كانت البرغماتية تتطلب من الحكومة الدفاع عن سياستها في مجال حقوق الإنسان ولو بروايات غير واقعية، فالتساؤل العريض هو: لماذا لا تشكل الدولة لجنة لتقصي الحقائق في الفساد الوارد في التقارير الدولية مثل ترانسبرنسي أنترناشنال؟ لماذا لا تؤسس الدولة لجنة للبحث في مصير ثروة المغاربة للجواب على أين هي الثروة؟ لماذا لا تؤسس لجنة للوقوف على الجهات التي أفسدت التعليم ودمرت الصحة وقضت على الشغل؟
في دولة يعترف حكامها بتدهور الصحة والتعليم والشغل، هي دولة تخرق يوميا حقوق مواطنيها لأن أول ما تنص عليه المواثيق الدولية كحقوق هو الحق في الحياة الكريمة، الأمر الذي لا يتوفر لأغلبية المغاربة.
وبعيدا عن التقارير الدولية، يكفي لكل مكونات الدولة النزول الى الشارع المغربي لمعرفة رأي الناس في وضعية حقوق الإنسان في المغرب، الجواب واضح: تدهور مستمر مثل تدهور التعليم والصحة.