أقدمت دول بريكس «البرازيل والصين وروسيا والهند وجنوب إفريقيا» على خطوة استراتيجية بتأسيس بنك يسمى «البنك الجديد للتنمية» ليكون بديلا للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي مستقبلا أو على الأقل منافسا له. وهذا البنك هو أداة اقتصادية وسياسية في آن واحد، وقد يشكل بداية تخلص بعض الدول العربية من «سيف ديموقليس» الجاثم فوق رأسها. وفي ظل التغيرات التي يرغب المغرب في إحداثها على دبلوماسيته بسبب ملف الصحراء، يبقى التساؤل: هل سيراهن على البنك الجديد لاسيما في ظل الشروط القاسية التي يفرضها البنك الدولي..
وجرى تأسيس البنك الشهر الماضي في البرازيل بحضور قادة الدول المذكورة، وهو قفزة استراتيجية لأنه سيكون بمثابة الذراع المالي والاقتصادي للقوى الخمس المذكورة التي ترغب في إرساء عالم متعدد الأقطاب في مواجهة هيمنة الغرب، وهو عالم آخذ في التبلور. والبنك يرمي الى إرساء عالم متعدد الأقطاب اقتصاديا يكون مكملا للجانب السياسي.
ويعتبر هذا البنك الخطوة الجريئة الثانية بعد الخطوة الأولى التي اتفقت عليها دول البريكس الخمس الصيف الماضي في جنوب إفريقيا بإنشاء شبكة إنترنت جديدة وبديلة للحالية، هذه الأخيرة التي تهمين عليها الولايات المتحدة الأمريكية.
والبنك الجديد يبلغ رأسماله 50 مليار دولار وسيقفز في المدى القريب الى مئة مليار دولار وقد يتضاعف المبلغ خلال السنوات الأخيرة، علما أنه يتوفر على احتياطي يقدر بمئة مليار دولار أخرى.
يأتي التأسيس ليقلل من الهيمنة المطلقة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي على حركة القروض العالمية، وهي التي لا يمكن سلخها عن التوظيف السياسي وكذلك عن تنفيذ برامج غامضة ذهبت ضحيتها الكثير من الدول ومنها العربية مثل المغرب وتونس واليمن. وسيسمح المبلغ الإحتياطي من تصحيح بعض الاختلالات المالية العالمية التي قد تهدد اقتصاد العالم ومنها اقتصاديات دول البريكس ودول صاعدة. وصرحت رئيسة البرازيل ديلما روسيف «البنك والإحتياطي هما أدوات لتصحيح الإختلال المالي في العالم».
ويرفع البنك الجديد شعار التنمية التي أهملها صندوق النقد الدولي أساسا، حيث أصبح همه هو تقديم القروض وفرض أجندات تقشف يجمع الكثيرون على أنها لم تكن صائبة نهائيا. وتؤكد دول البريكس أن المرحلة الأولى ستكون خاصة بالقروض للأعضاء أما المرحلة الثانية فستكون منفتحة على معظم الدول خاصة في حالة انضمام دول مثل تركيا ونيجيريا والمكسيك وماليزيا وأندونيسيا.
وأجمعت كتابات تحليلية عدة على الطابع المنطقي الذي يحكم إنشاء البنك بحكم أن الدول الخمس تشكل 25٪ من الإنتاج العالمي وتحتل مراتب متقدمة في سلم التبادل التجاري العالمي.
وتتبنى دول البريكس مواقف سياسية مناهضة للغرب خلال السنوات الأخيرة تجلت في ملفات بلدان مثل سوريا وأوكرانيا، لكن كانت تنقصها ذراع اقتصادية تقلل من ضغوط الغرب عليها وعلى شركائها. ويأتي البنك ليحقق لها بداية الاستقلالية المالية عن مؤسسات جاءت بعد الحرب العالمية الثانية بل وقد يحمي شركاءها من الدول الصغيرة من الاختلالات المالية والضغوطات.
هل سيتعامل المغرب مع البنك الجديد؟
ورحبت دول عدة بالمولود المالي الجديد الذي سيكون مقره في شنغهاي الصينية، وهو اختيار رمزي بحكم التحول المرتقب للصين دولة عظمى مستقبلا محل الولايات المتحدة التي كان قد جرى اختيارها مقرا لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وغالبية هذه الدول تنتمي الى أمريكا اللاتينية التي تجسد ثقافة التمرد على الغرب.
ولم تعلن الدول العربية موقفا من البنك الجديد للتنمية، لكن في ظل ميل بعض الدول الى سياسة روسيا والصين مثل سوريا ومصر والمغرب وتونس فقد تراهن على قروض فيه لغياب شروط سياسية مجحفة حتى تنجو تدريجيا من شروط الغرب المالية.
وبدأت دول البريكس تحتل مراكز متقدمة في التبادل التجاري مع الدول العربية وخاصة روسيا والصين، كما تلتقي مع هذه الدول سياسيا في قضايا دولية. وعليه، ما هو سياسي وتجاري سينتقل الى القروض، وهو ما سيساعد دولا عربية للتخلص تدريجيا من شروط البنك الدولي.
ويعلن المغرب تغييرات لا ترقى الى الجذرية ولكن هامة في توجهاته الدبلوماسية نحو عضوين هامين في البريكس، روسيا والصين. وقد يتطور الأمر الى أن يصبح المغرب من زبناء البنك الجديد لاسيما وأن تبادلاته التجارية تتضاعف مع البلدين. وتكشف التجارب أنه لا يمكن نهائيا “إرساء علاقات سياسية دبلوماسية متينة بدون اقتصاد”.