دروس حرب اليمن: فشل محمد بن سلمان في تكريس نفسه زعيما سنيا وحاجة السعودية للحماية ومحدودية باتريوت

صاروخ حوثي في تجاه السعودية

رغم التصعيد الذي تشهده حرب اليمن من خلال نجاح الحوثيين ضرب الأراضي السعودية بصواريخ، فهذه الحرب قد اقتربت من نهايتها بعد قرار الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن وقف تسليح السعودية ووقف الذخيرة والمطالبة بوقفها رسميا. ولكن هذه الحرب تترك دروسا وخلاصات أبرزها كيف عجزت السعودية ذات الميزانية العسكرية الضخمة في الانتصار بل في حماية أراضيها والدور الذي تكتسبه الصواريخ لتوازن الرعب والردع؟
واندلعت حرب اليمن منذ ست سنوات تقريبا تحت شعار «عاصفة الحزم» ورسمت هدفا معلنا وهو احتواء المد الإيراني نحو اليمن عبر إعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي يفترض أنه انتخب رسميا «إعادة الشرعية». وفي الوقت ذاته، وظف ولي العهد محمد بن سلمان هذه الحرب ليقدم نفسه زعيما إقليميا وزعيما للسنة، وهذا ما جعله يلح على مشاركة الدول السنية مثل الإمارات والبحرين والمغرب والأردن ومصر وقطر في الحرب، وهي الدول التي انسحبت تدريجيا.
وبعد ست سنوات من الحرب، كانت النتائج عكسية للغاية وتضع العربية السعودية في موقف حرج أمام المنتظم الدولي كدولة اعتدت على جارها الجنوبي. ولعل الأكثر إثارة للقلق هو عجزها حسم حرب مع حركة لا هي بجيش منظم ولا هي بميليشيات «حركة الحوثيين».
وتمتلك السعودية ميزانية عسكرية ضخمة تقدر بـ 70 مليار دولار سنويا سنة 2019 وتأتي الثالثة في التصنيف العالمي بعد كل من الولايات المتحدة والصين ومتفوقة على دول مثل روسيا والهند وفرنسا وبريطانيا. وهي أعلى ميزانية في العالم مقارنة مع الدخل القومي العام للبلاد، ما بين 9 إلى 10 في المئة، بينما دول مثل فرنسا تخصص أقل من 2 في المئة. وهذه الميزانية كافية لكي تجعل منها قوة عسكرية حقيقية في الشرق الأوسط توازي قوى مثل تركيا وإيران وإسرائيل. لكن هذه الحرب كشفت زيف هذه الميزانية بل وأنها مفارقة في التاريخ العسكري وذلك لسببين وهما: في المقام الأول، رغم كثرة الحديث عن صفقات السلاح السعودية، إلا أن العتاد العسكري السعودي برمته محدود للغاية لا يعكس نهائيا ميزانية 70 مليار دولار. فهذه الدولة تتوفر على عشرات الطائرات من إف 15 تفتقد لنظام جوي مضاد للصواريخ والطيران وتفتقد للذخيرة الكافية. وعمليا، كشفت الحرب كيف تعاني السعودية من الحصول على الذخيرة بعد الفيتو الأوروبي على بيعها الذخيرة وحاليا الأمريكي. ومن باب المقارنة، فهذه الميزانية لوحدها تتجاوز كل ميزانيات أفريقيا والعالم العربي، لكن الجيش السعودي لا يمتلك جاهزية جيوش أفريقيا مثل جنوب أفريقيا أو عربية مثل المغرب والجزائر ومصر.
في المقام الثاني، من مفارقات السعودية عسكريا، أنها الدولة ذات الميزانية الضخمة ولكنها لجأت إلى دول ثالثة لشن الحرب على حركة الحوثيين، حيث كان الائتلاف مكونا من السعودية والإمارات ومصر والبحرين والأردن والمغرب وقطر والسودان في البدء. ولم تستطع السعودية تحقيق أي انتصار على الحوثيين باستثناء ارتكاب جرائم في حق المدنيين وتدمير مستشفيات ومدارس أكثر بكثير من المعاقل العسكرية، حيث تتحدث الأمم المتحدة عن جرائم ضد الإنسانية. واضطرت السعودية اللجوء إلى الخبرة الأمريكية والبريطانية والفرنسية لإيقاف الطائرات المسيرة والصواريخ. في هذا الصدد، بعث البنتاغون بمجموعة خبراء من صنفين، قوات خاصة للبحث عن أماكن إطلاق الصواريخ الباليستية شمال اليمن وتدميرها، ويبدو أنها لم تنجح في عملها هذا بحكم استمرار وصول الصواريخ إلى الأراضي السعودية. بينما الصنف الثاني من الخبراء هم الذين تولوا تشغيل منظومة باتريوت لاعتراض هذه الصواريخ بعدما عجز الخبراء السعوديون عن تشغيلها بشكل كافي.
وعلاقة بالنقطة الأخيرة، يعتبر فشل الباتريوت في اعتراض الصواريخ الباليستية أكبر خلاصة في هذه الحرب بل حلقة دخلت التاريخ العسكري العالمي. فقد فشل الباتريوت الذي يعد من أنظمة الدفاع الجوي المتطورة في العالم، ويأتي في الولايات المتحدة بعد نظام الثاذ، في اعتراض صواريخ باليستية ليست متطورة للغاية. وكانت جريدة «نيويورك تايمز» قد نشرت يوم 5 كانون الأول/ديسمبر 2017 عند سقوط أول الصواريخ على السعودية خلال تشرين الثاني/نوفمبر 2017 واستهدف مطار خالد العسكري أن فشل نظام باتريوت في اعتراض صواريخ الحوثيين مقلق جدا للأمن القومي الأمريكي، فهو يكشف أن اعتراض صاروخ غير متطور يطلب استعمال سبعة صواريخ باتريوت، فكيف سيكون الأمر إذا واجهت السعودية إيران أو إذا واجهت الولايات المتحدة إيران، وكيف سيكون الحال مع الصواريخ الروسية والصينية؟
هذا التطور جاء ليؤكد معطى أصبح واقعا في الثقافة العسكرية أو تطور الحروب وهو الدور الذي أصبحت تلعبه الصواريخ في الحرب. وكان هذا التصور قد بدأ مع الاتحاد السوفييتي عندما عجز عن مسايرة الولايات المتحدة في تصنيع حاملات الطائرات راهن على الصواريخ، وتأكد في حروب لاحقة وأهمها مواجهة حزب الله ضد إسرائيل صيف 2006 وكيف جعل الحزب من الصواريخ سلاح توازن للرعب وطوره لاحقا ليصبح سلاح الردع الحقيقي وهو ما جعل إسرائيل لا تقدم على أي هجوم ضد لبنان منذ ذلك التاريخ. وكانت «القدس العربي» سباقة إلى هذه النتيجة في مقال تحليلي يوم 3 أغسطس/آب 2006 بعنوان «توازن الرعب بين سلاح الجو الإسرائيلي وصواريخ حزب الله».
الحرب اليمنية التي اقتربت من نهايتها بفضل الموقف الحازم للإدارة الأمريكية والإنهاك الذي أصاب السعودية وتبحث عن مخرج مشرف ينتهي بالخلاصات التالية:
أولا، فشل ولي العهد محمد بن سلمان من خلال هذه الحرب تكريس نفسه زعيما سنيا في العالم العربي بل شهد العالم السني مع هذه الحرب مزيدا من التدهور.
ثانيا، ضعف السعودية عسكريا، وبالتالي لا يمكنها نهائيا الانتقال إلى مصاف دولة إقليمية عسكريا مثل إيران وباكستان وحتى مصر، بل أنها دولة في حاجة إلى دفاع الآخرين عنها، وهي الحماية التي توفرها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.
ثالثا، وضع السعودية والإمارات أمام المنتظم الدولي بمثابة دول تسببت في جرائم ضد الإنسانية، حيث أصبحتا هدفا للمحاسبة وربما محاكمات في المستقبل.
رابعا، التغيير الحاصل في الحروب، حيث جاءت هذه الحرب لتبرز الأهمية التي تكتسيها الصواريخ في مواجهة التفوق الجوي، حيث أصبح دور الطائرة المقاتلة ينحصر في الحسم أمام الصاروخ الهجومي. وهذا سيجر معظم دول العالم إلى اقتناء وتطوير الصواريخ للردع.

Sign In

Reset Your Password