دراسة جديدة تثير مسؤولية إسبانيا وحلفائها في حرب الريف الكيماوية1921-1926

صورة لغلاف الكتاب
صدر هذا الأسبوع كتاب جديد يتطرق إلى الجرائم التي ارتكبتها إسبانيا وحلفائها بمنطقة الريف ما بين 1921- 1926 باستعمال الأسلحة الكيماوية المحظورة دوليا. الكتاب صدرعن دار النشر “أخوين السليكي” بطنجة  تحت عنوان: “إشكاليات التسوية الأممية والدولية للجرائم والجنح الدولية: حالة حرب الريف الكيماوية 1921-1926” للحقوقي والباحث في القانون الدولي الدكتور محمد الغلبزوري ومن تقديم الدكتور جعفر بنموسى أستاذ القانون الدولي والعلوم السياسية بكلية العلوم  القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة.
 الكتاب هوعبارة عن أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، والتي أنجزت بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة، تحت إشراف الدكتور جعفر بنموسى، والتي نوقشت بتاريخ 07 يوليوز 2017 أمام لجنة مكونة من: الدكتور محمد يحيا رئيسا؛ الدكتور جعفر بنموسى مشرفا وعضوا؛ الدكتور رشيد المرزكيوي عضو؛ الدكتور الطيب بوتبقالت عضوا؛ الدكتور محمد الغربي عضوا. وقد نالت ميزة مشرف جدا مع التنويه والتوصية بالنشر.
كما ادخلت عليها مجموعة من التعديلات والتصويبات منها ما هي مقترحة من طرف لجنة المناقشة، ومنها ما هو مرتبط بالمستجدات التي عرفها موضوع البحث وكذا اطلاع الباحث على مزيد من المراجع  والمصادر التي لها صلة بالموضوع.
وتعتبر هذه الدراسة هي الأولى من نوعها التي أنجزت على  المستوى الدراسات بمراكز الدكتوراه بالجامعات المغربية؛ والتي تناولت موضوعا يرجع بنا إلى منطقة الريف، وما وقع فيها ما بين سنتي1921 و1926، من دمار وقتل عمدي وممنهج، نتيجة العدوان الإسباني- الفرنسي بالأسلحة الكيماوية على السكان في إطار الحملة الاستعمارية التي استهدفت المغرب في سنوات العشرينيات من القرن الماضي.
إن موضوع هذا المؤلف له راهنيته في عصرنا الحالي، الذي يشهد طفرة نوعية في ترسيخ المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، وبالتالي تنامي الأصوات المطالبة بتسوية ماضي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان من طرف الدول الاستعمارية.
وبالإضافة إلى هذه الراهنية، فالدراسة جاء في إطار صون الذاكرة التاريخية لمنطفة الريف التي تقتضي معرفة الحقائق المرتبطة بالمآسي الإنسانية التي عاشها الريفيون في مواجهة الاحتلال المسلط عليهم، حيث أدت العمليات العسكرية باسم “نشر الحضارة” إلى مقتل الكثير من المدنيين، وجرحهم وإعطابهم وتشريدهم، وتدمير بيئتهم، في ظل غياب وسائل الحماية والمساعدة الإنسانية للحد أو على الأقل التخفيف من حدة الإجرام الاستعماري، وما خلفه من معاناة عميقة، ما زالت آثارها جلية إلى حدود اليوم، والتي تتجلى في النسبة الكبيرة من الريفيين المصابين بمرض السرطان، حيث أصبح هذا المرض يشكل كابوسا حقيقيا يهدد المنطقة، حيث لا يمر يوما بدون أن نسمع عشرات الوفيات بسببه، وهو المرض الذي له علاقة بالأسلحة الكيماوية التي قصفت بها منطقة الريف.
فعلى مستوى الأكاديمي، قليلة هي الدراسات التي تناولت بالبحث والتحليل الوجه اللاإنساني للاستعمار، وبالخصوص إعادة قراءة العمليات العسكرية ضد المقاومة الريفية في ضوء القانون الدولي العام، بسبب ندرة المعلومات وتكتم السلطات الاستعمارية على المعطيات المتعلقة بهذا الملف، واحتكار الوثائق التاريخية من قبل المؤسسات العسكرية الفرنسية والإسبانية والبريطانية والألمانية، في الوقت الذي يشهد فيها العالم عودة غير مسبوقة إلى قراءة جديدة للتاريخ المشترك بين الدول لإعادة التوازن للعلاقات الدولية وتصحيح مسارها. وذلك على سبيل المثال؛ العلاقات الليبية الإيطالية بشأن أسباب ومخلفات الاحتلال الإيطالي لليبيا. والعلاقات الجزائرية الفرنسية التي دخلت مرحلة جديدة من التوتر على خلفية مشروع القانون الجزائري مع بداية سنة 2010، الذي يدين جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، والذي جاء كرد فعل على إقدام فرنسا سنة 2005 على سن قانون يمجد استعمارها فيما وراء البحار، خاصة في شمال إفريقيا.
كما جاءت هذه الدراسة لمواكبة  النقاش السياسي والمعرفي الذي يعرفه حاليا هذا الملف بسبب الدينامية التي أحدثها المجتمع المدني المغربي والإسباني في هذا الشأن، والاهتمام المتزايد من قبل الأكاديميين بهذا الملف، بسبب رفع حظر جزئي على بعض الوثائق الرسمية الموجودة بأرشيفات القوى الاستعمارية . خصوصا وأن مجموعة من الأطراف السياسية والمدنية الإسبانية أصبحت تساند هذا الملف وتدعو إلى تسويته.
وقد توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج الجد المهمة، نذكر من بينها:
1. تحديد طبيعة الجرائم المرتكبة بواسطة الأسلحة الكيماوية بالريف؛
2. تحديد الدولة الفاعلة والمساهمة في الحرب الكيماوية بالريف وتحديد مسؤولياتها؛
3. معرفة السبل الممكنة للتسوية الأممية والدولية للجرائم الدولية المرتكبة بالريف.
وقبل أن تتوصل الدراسة إلى هذه النتائج، وقفت كثيرا في جزئها النظري إلى التأصيل الفقهي والقانوني لمفهومي “الجرائم” و”الجنح” الدولية الذي يعتبر من أهم الاشكالات التي أسفرت دراستها إلى تحديد درجات الفعل الدولي غير المشروع المرتكب بالريف، وبالتالي تحديد طبيعة حرب الريف الكيماوية والسبل الممكنة للتسوية الأممية والدولية للنزاعات الناشئة عنها. فلحد الآن، فاستثناء ما توصلت إليه لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، ليست هناك دراسات قانونية على المستوى العالمي تناولت بعمق التمييز بين مفهومي “الجريمة الدولية” (crimes internationaux) و”الجنحة الدولية” (délits internationaux)، باعتبار هذا التمييز  يعتبر من الاجتهادات الحديثة في مجال القانون الدولي، خاصة وأن معالمه لم تتضح بعد من طرف الفقه أو القضاء الدوليين، وما زال يثير مجموعة من الشكوك والتحفظات حول المعايير المعتمدة للتمييز بين المفهومين، والحد الفاصل بينهما، وكذا النتائج المترتبة عنهما.
وقد صدر هذا الكتاب في 665 صفحة، ويتضمن قسمين؛ القسم الأول، يتضمن التأصيل الفقهي والقانوني لمفهومي الجرائم والجنح الدولية؛ حيث خصص فصله الأول للحديث عن التأصيل الفقهي والقانوني لمفهوم الجنحة الدولية على أساس نظرية الفعل الدولي غير المشروع. أما الفصل الثاني، فتناول التأصيل الفقهي والقانوني للجريمة الدولية كأخطر أشكال الفعل الدولي غير المشروع. حيث توصل الباحث من خلال هذا الفصل إلى تحديد مفهومي الجريمة والجنحة الدولية والتمييز بينهما مفاهيميا وقانونيا، مع تحديد كيفية تسويتهما والآثار القانونية التي تترتب عليهما والإشكاليات القانونية والسياسية التي تكتنفهما بفعل واقع تطبيق القانون الدولي.
أما القسم الثاني، فيتضمن التكييف القانوني لجرمية الحرب الكيماوية بالريف 1921-1926؛ حيث تناول الفصل الأول منه لحيثيات حرب الريف الكيماوية 1921-1926، كما خصص الفصل الثاني للتكييف القانوني للحرب الكيماوية بالريف. وقد توصل الباحث من خلال هذا القسم إلى تحديد أنواع الجرائم الدولية المرتكبة بالريف، والدول التي ارتكبتها والتي ساهمت فيها، وإمكانيات تسويتها على ضوء القانون الدولي العام مع الوقوف عند أهم الإشكاليات القانونية والسياسية التي تعترضها.

Sign In

Reset Your Password