ينوي المغرب خوصصة جزء من المكتب الشريف لإنتاج الفوسفاط، وتعتبر دولة الإمارات العربية هي المرشحة. وهذه الأخبار تطرح تساؤلات عريضة حول الأسباب الحقيقية وراء خوصصة قطاع استراتيجي للمغرب، هل نزولا عند رغبة الإماراتيين أم الحاجة الماسة الى السيولة النقدية أم لإنقاذ مخطط الرفع من الاستثمار الذي اعتمد فيه المدير العام مصطفى التراب على تقديرات خاطئة وقد تؤدي الى عجز مالي لهذه الشركة مستقبلا.
وصدر خبر خوصصة الفوسفاط عن وكالة بلومبيرغ المتخصصة في عالم المال والأعمال، ولم تشر الى الجهة التي ستقتني الحصة التي ينوي المغرب خوصصتها، ولكنها تكلمت عن صندوق سيادي من الخليج العربي. في الوقت ذاته، فسرت قرار المغرب هذا بالتهييئ لإخراج شركة الفوسفاط الى البورصة للتداول ابتداء من سنة 1017 أو 2018.
ولم يكذّب المغرب هذه الأخبار بل جاءت تلميحات من طرف مدير المكتب مصطفى التراب الذي اعتبر أن خوصصة الفوسفاط ليس خطا أحمرا بل الأساسي هو المحافظة على أغلبية الأسهم لتفادي تحكم أجانب في هذا القطاع. وامتنع التراب عن تقديم الأسباب الحقيقية وراء خوصصة جزء من شركة استراتيجية للاقتصاد المغربي، علما أن الدول تحافظ على قطاعاتها الاستراتيجية.
وتشير المعطيات المتوفرة حتى الآن باحتمال دخول الإماراتيين كمقتنين للأسهم التي سيطرحها المغرب للخوصصة. ويجري بالضبط الحديث عن المكتب السيادي الذي يرأسه محمد بن زايد حاكم إمارة أبو ظبي وولي العهد في الإمارات. وتجمع هذا الأخيرة علاقة قوية بالملك محمد السادس.
ولم تصدر الحكومة المغربية أي توضيحات حول الخوصصة المرتقبة، ومن المحتمل جدا أن تكون بدون علم مسبق وتفاجأت بدورها بالخبر من الوكالة الدولية بلومبيرغ بحكم وقوف القصر الملكي ومحيطه وراء هذه القرارات الكبرى.
ويشكل الفوسفاط الثروة الأساسية للمغرب في الماضي والحاضر والمستقبل، ويكتسب بهذا طابعا استراتيجيا لاسيما وأن المغرب يعتبر من الدول الثلاث المنتجة لهذه المادة رفقة الصين الولايات المتحدة ويتوفر على أكبر احتياطي في العالم.
وعمليا، يعتبر الفوسفاط عماد الاقتصاد المغربي في ظل التغيرات التي تسجلها قطاعات استراتيجية بدورها مثل الصادرات الزراعية والسياحة والنسيج.
وتذهب التفسيرات التي حصلت عليها ألف بوست حول الخوصصة المرتقبة الى اتجاهين، الأولى ويتجلى في حاجة المغرب للسيولة النقدية في ظل افتقاره لموارد مالية بسبب ضعف النمو الاقتصادي وعدم تطور قطاعات مثل الصناعات التحويلية واهتزاز القطاعين السياحي والزراعي، حيث بدأ منذ التسعينات سياسة الخوصصة تدريجيا، ويقدم كل ثلاث سنوات على خوصصة قطاع استراتيجي للحصول على السيولة النقدية.
ويذهب التفسير الثاني وهو المرجح جدا بل والمنطقي وفق الأرقام الى رغبة المكتب الشريف للفوسفاط مواجهة الاستثمارات الضخمة التي التزم بها لتحقيق رفع إنتاجه الى 47 مليون طن بدل 30 مليون طن الحالية. واعتمد المكتب برنامج استثمار مليار دولار سنويا ما بين 2011 الى 2020 لتوسيع الإنتاج أي قرابة تسعة ملايير دولار علاوة على فوائدها ليصل المبلغ الى حوالي 15 مليار دولار، إذا كانت القروض على مدار عشر سنوات.
وتزامنت هذه الخطة مع تراجع الأرباح المسجلة نتيجة عوامل متعددة منها المنافسة في السوق وارتفاع أسعار النقل البحري وتراجع الطلب على الفوسفاط. ومن خلال الأ{قام التي تقدمها ألف بوست، ستبين التقديرات الخاطئة لعملية الرفع من الإنتاح، فقد سجل المكتب الشريف للفوسفاط كأرباح سنة 2012 قرابة مليار دولار و400 مليون دولار، وتراجع 726 مليون دولار سنة 2013 ثم الى 508 مليون دولار كأرباح سنة 2014، ومن المحتمل أن لا يتجاوز نصف مليار دولار هذه السنة وقد يتراجع أكثر خلال السنوات الأخيرة إذا استمر الوضع عليه كما هو الآن. وهذا التراجع السريع هو الذي جعل قطاع السيارات “رونو” في طنجة يتجاوز قطاع الفوسفاط كأول مصدر بالنسبة للمغرب خلال السنة الماضية
ويبدو أن المدير العام للفوسفاط مصطفى التراب ارتكب خطئا في التقدير لأنه بنى استراتيجية الاستثمار مستقبلا للرفع من الإنتاج على الأرباح المحققة سنة 2012، حيث كان ينتظر تحقيق 25% زيادة في الأرباح سنويا ليغطي بها هذه الاستثمارات. لكنه حدث العكس وتراجعت الأرباح ب 65% ما بين سنتي 2012 الى 2015 بسبب تراجع واردات الهند من الفوسفاط المغربي وبسبب دخول منافس جديد وهو “معادن” السعودية، الشركة التي بدورها بدأت تزود العالم بالفوسفاط.
واعتمد التراب على دراسات أنجزتها مكاتب أجنبية بملايين الدولار تتحدث عن سوق عالمية واعدة لتكون النتيجة النهائية خوصصة مرتقبة لأهم قطاع استراتيجي اقتصادي في المغرب منذ قرابة قرن من الزمن لتفادي أزمة اقتصادية خانقة. ولم تأخذ هذه الدراسات احتمال تراجع الطلب على الفوسفاط بسبب الأزمة واعتماد الهند على فوسفاطها ثم رفع عدد من الدول من إنتاج هذه المادة. وهذا يعني تكرار سيناريو انهيار أسعار النفط في قطاع الفوسفاط عالميا.
وحصل المكتب الشريف للفوسفاط على قروض ما بين سنتي 2014 و2015 تقدر بقيمة ثلاثة ملايير دولار لسد العجز في الاستثمارات التي ينفذها بسبب تراجع الأرباح. وإذا استمرت الوتيرة على ما هي عليه، فقد يغرق المكتب في القروض نتيجة التقديرات الخاطئة لمصطفى التراب والمكاتب التي استعان بها، وسيحصل هذا لأول مرة في تاريخ هذه المؤسسة الاقتصادية الاستراتيجية. وسيحتاج التراب الى ثلاثة ملايير دولار أخرى للإستثمار في مشاريع الاستثمار في حالة إذا لم ترتفع الأسعار والأرباح مجددا. وهذا يعني أن الديون التي ستتراكم على المكتب ستقدر بقرابة 100% من إنتاجه وهذا لم يحدث نهائيا في تاريخ مكتب الفوسفاط.
ولتفادي السيناريو الأسوأ، سيعتمد مصطفى التراب على خوصصة وفتح الفوسفاط للإماراتيين، ليكون بذلك المغرب أمام خوصصة أهم قطاع استراتيجي له.