تعليقاً على خطاب الملك محمد السادس بمناسبة عيد جلوسه العشرين على العرش العلوي والذي ورد في ثناياه أنه ستُخلق خلال الدخول الاجتماعي القادم لجنة خاصة بالنموذج التنموي، قال أستاذ العلوم السياسية، محمد نبيل ملين، في تصريح صحافي، إن اشتداد أزمة الوساطة السياسية التي يعيشها المغرب منذ 2011 هي نتيجة لإضعاف الأحزاب، وإن هذا ما يجعل الملك يبحث عن بدائل، ومن ذلك خلق لجان مختصة تابعة للقصر ومهمِشة للأحزاب والحكومة. إلا أن ملين يرى أن مثل هاته اللجان نفسها لن تحل المشكل.
وأكد أستاذ العلوم السياسية أن الأحزاب ضعيفة، فلا يمكنها «بأي حال من الأحوال أن تضطلع بأي دور ريادي في المستقبل المنظور، خصوصا أن القصر الذي يتوجس من ظهور أي قوة اجتماعية منافسة يحرص منذ الاستقلال على إضعافها وإذلالها بل إفراغها من محتواها بشتى الطرق، لاسيما عبر إنشاء اللجان المختصة التي تعاني من نفس المشاكل البنيوية». دعا الملك إذاً في خطابه إلى خلق لجنة يكون هدفها بلورة مشروع مجتمعي ونموذج تنمية جديد بعد فشل النموذج السابق، أي الذي سارت على هداه الدولة خلال العقدين الأخيرين. فهل سيتفتق عقل هذه اللجنة المختصة على حلول إصلاحية سحرية رغم الاعتراف الرسمي وعلى أعلى مستوى بفشل النموذج التنموي الرسمي؟
والأمر هنا لا يتعلق بفشل عام وحسب بل كذلك بفشل أغلب الإصلاحات القطاعية كتلك الخاصة بالتعليم والتي أهدرت فيها عدة ملايير من الدولارات أو تلك المتعلقة بالصحة أو بالعدالة أو حتى بتلك القطاعات الجديدة التي لا تتطلب مجهودات مالية خاصة من طرف الدولة كقطاع حقوق الإنسان.
ومن أبرز مظاهر فشل هذا القطاع الأخير رغم هيئاته الرسمية العديدة هو تصريح الرئيسة الجديدة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أنه لا وجود لمعتقلين سياسيين بالمغرب، بينما المغرب يشهد، منذ سنتين على الأقل، اعتقالات بالمئات لنشطاء سياسيين، بعضهم عُذب وبعضهم حُكم عليه بمدد سجنية انتقامية وجائرة تتراوح بين عشر وعشرين سنة. العفو الملكي الصادر بمناسبة عيد العرش يُظهر بطريقة واضحة أن تصريحات رئيسة المجلس لا تعبر عن واقع حقوق الإنسان، فهو أولاً أي العفو شمل حوالي عشرة من المعتقلين السياسيين. وهو ثانياً لم يشمل السجناء المعروفين بانتقادهم لسلطوية النظام أي معتقلي الرأي بامتياز من أمثال ناصر الزفزافي ونبيل أحمجيق ومحمد جلول وحميد المهداوي وتوفيق بوعشرين. فما دام الفرز في إطلاق السراح من عدمه قد تم حسب درجة وقوة انتقاد المعتقلين للنظام فهذا يعني ضرورة أن أسباب الاعتقال سياسية.
نعود الآن إلى تصريح الباحث ملين والذي أكد فيه أن المنظومة الحزبية المغربية مجرد واجهة، وأن أغلب الأحزاب اصطناعية وضعيفة لنتساءل لماذا كل هذا الضعف؟
إن الأحزاب المغربية حتى المسنودة انتخابياً من لدن الساكنة فعلاً ضعيفة، إذ لا تستطيع شيئاً تجاه النسق السياسي التقليدي الذي تتحكم شخوصُه النافذة في القرار والتدبير رغم أن مشروعية الأخيرة غير مستمدة من المواطن الناخب. هذا يعني أن الاحزاب وهي تشغل أغلبية المناصب الحكومية تكون في الواجهة، فيتركز عليها غضب الشعب وتظلمات المجتمع المدني، بل إن الإعلام، بما فيه الإعلام التلفزي الرسمي أحياناً، ينتقد الوزراء ورئيس الحكومة نفسه حول الاختلالات الإدارية وظلم الدولة وضعف القدرة الشرائية والبطالة المتفشية إلخ… وهكذا فإن الأحزاب تجد نفسها في مواجهة الشعب رغم أنه لا حول ولا قوة لها ما دام القرار والحكم ليس بيدها. إن الوظيفة الطبيعية للأحزاب في أي بلاد كانت هي ممارسة الحكم أو معارضته، وكما رأينا، فالأحزاب المغربية لا تمارس الحكم كما أنها على العموم لا تستطيع ممارسة المعارضة الحقيقية للنظام. ولنفهم أكثر المأزق الدائم والمدمِّر لأحزابنا المسكينة، نضرب مثلاً بجسم الإنسان، فالأعضاء التي تتوقف عن أداء وظيفتها لسبب أو آخر تَضمُر وقد تتلاشى مع الوقت، وهذا حال الأحزاب المغربية. ففي الأنظمة الديمقراطية، الأحزاب مجموعتان: فإما هي تمارس الحكم عبر المؤسسات الحكومية وهذا يجعلها تفعّل، على الأقل جزئياً، برامجها الانتخابية ووعودها للساكنة مما يزيد من مصداقيتها وقوتها. وإما هي في المعارضة، داخل المؤسسات المنتخبة وخارجها، فتنال عطف الفئات التي تشعر أن الحكومة لا تحقق مصالحها أو أنها تناهض قيمها. وهكذا فالأحزاب إما تكون مستفيدة شعبياً من صلاحياتها التنفيذية ووقعها القوي واليومي في الميدان، وإما هي تنتفع سياسياً ومعنوياً من هالة الدفاع عن حق المستضعف المقصي من مشاريع الحكومة أو المُعاني من قراراتها. أما الأحزاب المغربية فهي لا بهذا ولا بذاك وهذا هو الأصل في الأزمة.
جرى تغيير عنوان المقال عن المنشور في جريدة القدس العربي