خرافة الميزانية العسكرية السعودية

ولي العهج السعودي محمد بن سلمان

أعلنت الشركة الكندية لصناعة الأسلحة جنرال ديناميكس مؤخرا، عن عدم تسديد السعودية 3.4 مليار دولار كمتأخرات من الصفقة المتعلقة بالمدرعات الحربية. وهذا يطرح تساؤلات حول ادعاء الرياض بأنها تتوفر على ثالث ميزانية عسكرية في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين وتتجاوز 67 مليار دولار، كيف تصرفها وتوظفها وهي الدولة التي لا تستطيع تأمين أمنها القومي.
وكانت كندا قد وقعت مع السعودية منذ ثلاث سنوات اتفاقا ببيع أسلحة بقيمة 12 مليار دولار على مدار 15 سنة. وسلمت كندا للرياض الكثير منها، رغم الأزمة التي وقعت بين الطرفين السنة الماضية، بسبب انتهاك حقوق الإنسان، ثم الأزمة التي نتجت عن اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية السعودية في تركيا، ومحاولة فرض فيتو على صادرات الأسلحة إلى الرياض.
وتعلن السعودية تخصيص ما يفوق 67 مليار دولار سنويا ميزانية للمؤسسة العسكرية، بما فيها الرواتب واقتناء الأسلحة وصيانتها، وهي ثالث ميزانية في العالم بعد الولايات المتحدة بـ649 مليار دولار والصين بـ245 مليار دولار. وجرى رفع ميزانية السعودية خلال الثلاث سنوات الأخيرة من 38 مليار دولار الى ما يفوق الستين مليار دولار، وصادف هذا تعيين الملك سلمان لابنه محمد وليا للعهد. وتبقى السعودية هي الأولى في العالم في ما يخص نسبة الميزانية مقارنة مع الإنتاج القومي الخام، إذ يصل إلى قرابة 10%، بينما لا يتعدى المعدل في الولايات المتحدة 3.2% وفي الصين 1.2%، بينما في الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا لا يصل المعدل الى 2%. وهذه الدول الكبرى تتوفر على جيش محترف وقوات جوية ضخمة وأساطيل حربية تجوب بحار العالم وقواعد عسكرية منتشرة في العالم.

وتعد ميزانية السعودية العسكرية أكبر من مجموع ميزانيات الدفاع في العالم العربي تقريبا بضعفين، وتحتل الجزائر المركز الثاني بعد السعودية لكن بفارق شاسع ولا تتجاوز 12 مليار دولار سنويا، بينما دولة مثل المغرب بالكاد تصل إلى أربعة مليارات دولارْ، ولا تتعدى مصر في أحسن الحالات بما هو علني وسري سبعة مليارات دولار. وتبقى ميزانيات دول أخرى محدودة مثل موريتانيا ولبنان وتونس. والواقع أن السعودية تعتبر أكبر مفارقة صارخة في التاريخ العسكري وذروة التناقضات في هذا الشأن، لأسباب كثيرة ومتعددة. في هذا الصدد، لا تستهلك رواتب الجنود السعوديين، سواء الحرس الوطني أو الجيش بمختلف شعبه البر والبحر والجو أكثر من خمسة مليارات دولار. ولن تتطلب صيانة السلاح ميزانية تفوق ملياري دولار سنويا في الحالات الاستثنائية، لأن أهم صيانة للسلاح لدى السعودية هو صيانة طائرات أف 15. ولا تتجاوز صفقات الأسلحة التي توقعها السعودية قيمة أربعة مليارات دولار سنويا، وهو رقم حقيقي وأقل بكثير من تلك الأرقام الخرافية التي يجري تقديمها في وسائل الإعلام بدون تدقيق. وجرى الحديث في السابق عن صفقة بيع أسلحة أمريكية بـ460 مليار دولار للسعودية، وهو حديث هراء لا يستقيم والمنطق العسكري (استحالة اقتناء السعودية أسلحة أمريكية بـ460 مليار دولار، «القدس العربي» 5 فبراير 2018).
وتعيش السعودية حالة استثناء بسبب الحرب التي تشنها ضد اليمن، ما قد يتطلب منها، سواء الذخيرة أو المرتزقة، الذين تعاقدت معهم، ومنهم خبراء غربيون حوالي ثلاثة مليارات دولار. وعلى ضوء هذه الأرقام والمعطيات، لا يتجاوز مجموع ما تنفقه السعودية على قواتها العسكرية في أقصى الحالات 20 مليار دولار. وهذا يجر الى تساؤل عريض: أين تذهب 47 مليار دولار المتبقية؟ قد تذهب بعض التحاليل إلى القول باستفادة الولايات المتحدة من ميزانية السعودية، وهذا مجرد كلام. البنتاغون يوفر الحماية في الخليج العربي للحفاظ على ارتباط بيع النفط بالدولار، وتفادي سيطرة دول مثل روسيا والصين على تجارة النفط وبين ميزانية الدفاع الضخمة المعلن عنها والواقع العسكري مفارقة كبيرة تتجلى في:
– لم تنجح السعودية في ضمان أمنها القومي، فهي تبدو عاجزة أمام إيران التي لا تفوق ميزانيتها العسكرية سبعة مليارات دولار في السنة. واستعانت الرياض بالبنتاغون لكي يرسل قوات عسكرية لمواجهة أي هجوم إيراني محتمل، بعد حادثة أرامكو. وفشلت السعودية في حربها ضد حركة مثل الحوثيين ذات التسليح المحدود، فكيف ستنجح في مواجهة دولة ذات جيش صلب ومنظم مثل إيران. وعليه، ثالث أكبر دولة في الميزانية العسكرية، لا تستطيع ضمان أمنها، هذه من المفارقات الصارخة في التاريخ العسكري.
– من جانب آخر، لم تستطع السعودية إقامة صناعة عسكرية ولو في الحد الأدنى مثل صناعة الذخيرة، وليس هناك مؤشرات على إقامة صناعة من هذا النوع، رغم تصريحات المسؤولين. ومقارنة مع دول المنطقة، تمتلك مصر صناعة عسكرية مقبولة، وخطت تركيا خطوات لافتة للنظر، وحققت إيران قفزة نوعية في الصناعة العسكرية بالرهان على ما يوصف بالذكاء العسكري، أي تطوير صواريخ حاسمة قادرة على تغطية مختلف المسافات، وصناعة حربية بحرية مقبولة، وكذلك الرادارات والطائرات المسيرة. وتعد باكستان مرجعا في الشرق الأوسط بشأن صناعة الأسلحة سواء السلاح النووي أو السلاح الكلاسيكي. فأين هي السعودية من هذه الدول؟
لا تتوفر السعودية على برامج سرية لمشروع نووي أو صناعة حاملات الطائرات والمقنبلات والصواريخ البالستية، فأين تذهب 40 مليار دولار المتبقية من الميزانية العسكرية السنوية؟ بدون شك، ليس فقط في اقتناء برنامج بيغاسوس للتجسس على الصحافيين.

Sign In

Reset Your Password