طيلة الأسبوع الماضي، تناولت الصحافة العربية والدولية أخبار الإعداد لهجوم إسرائيلي – أمريكي على إيران، واعتمدت على المناورات الحربية الجوية، التي احتضنتها إسرائيل بمشاركة عدد من الدول مؤخرا. وتردد الصحافة الحديث عن الهجوم الوشيك طيلة العشرين سنة الأخيرة، حتى أصبح خرافة، علما أنه لم يحدث ولن يحدث.
وبالفعل، احتضنت إسرائيل مناورات “العلم الأزرق” نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهي مناورات جوية يجريها سلاح الجو الإسرائيلي مرة كل سنتين، ابتداء من عام 2013، وتميزت هذه المرة بأنها الأكبر من نوعها وبمشاركة دول مثل فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، وحتى من العالم العربي مثل الإمارات العربية المتحدة، وكان هذا كافيا لبدء عدد ممن يعتبرون خبراء ومحللين في الحديث عن الإعداد لهجوم ضد إيران.
والواقع أن الحديث عن أي هجوم إسرائيلي، حتى لو بتنسيق بين إسرائيل والولايات المتحدة أصبح مستحيلا، بل يدخل في “باب الخرافات”، وفق معطيات الواقع في الوقت الراهن. والغريب في الأمر هو تكرار الحديث عن الهجوم ضد إيران منذ حرب العراق سنة 2003، ومرت 18 سنة ولم يحدث. ويعود الحديث عن تكرار هجوم إسرائيلي أو أمريكي على إيران، إلى غياب الإلمام الكافي بالتطور الحاصل في العلاقات الدولية، وأساسا في ميزان القوة العسكرية. وعند البحث عن أصحاب المقالات الذين يتحدثون عن الحرب الوشيكة، وتحويل كل مناورات لحلقة تسبق تنفيذ الهجوم، لا تجد قادة عسكريين سابقين، أو حاليين، لا تجد خبراء كبارا في عالم الأسلحة والحروب، بل نجد إعلاميين من دون معرفة عسكرية كبيرة، ولكن لهم هيمنة في وسائل إعلام معينة وقادرين على التأثير في جزء من الرأي العام والترويج لمثل هذه الأطروحات. ومن ضمن العوامل التي تجعل الحرب صعبة، إن لم نقل مستحيلة نجد ما يلي:
– إسرائيل تعد قوة عسكرية ذات إمكانيات هائلة، لكنها لا تستطيع الانتصار الآن على إيران، ولا يمكنها استعمال السلاح النووي، لأن استعماله يعني نهاية إسرائيل نفسها.
– لكي تحقق الولايات المتحدة الانتصار على إيران بالسلاح الكلاسيكي، أي غير النووي، تحتاج الى حرب تمتد الى ثلاث سنوات على الأقل، وإنزال عسكري متكرر على شاكلة الحرب العالمية الثانية، وتعاون مطلق من الدول العربية المجاورة والدول الغربية الأخرى. ولا يمكن للبنتاغون تدمير المختبرات النووية الإيرانية، بمجرد طلعات محدودة من مقاتلات من نوع ب 52، فهذه المختبرات توجد في أعماق الأرض، وكل عملية تدمير تحتاج إلى اجتياح حقيقي للمناطق الموجودة فيها هذه المختبرات، وهي مكلفة زمنيا وماديا، أي التضحية بعشرات الآلاف من الجنود، من دون ضمان النتيجة النهائية.
– إيران حققت قفزة نوعية في الصناعة الحربية، وتتجلى في منظومة طيران مضادة للمقاتلات والصواريخ من جهة، وصواريخ هجومية قادرة على تدمير إسرائيل، خاصة في ظل هشاشة القبة الحديدية التي أقامتها إسرائيل، وكذلك ضعف منظومة باتريوت، ثم هي قادرة على تهديد حاملات الطائرات التي تقترب من المنطقة. ومن أهم المنعطفات في هذا الشأن هو نجاح إيران في إسقاط طائرة غلوبال هاوك المتطورة جدا سنة 2019، وقتها أدرك البنتاغون صحة تخميناته بشأن قوة إيران.
في الوقت ذاته، تجهل الولايات المتحدة ومعها إسرائيل نوعية السلاح الذي قد تكون الصين وروسيا منحتاه لإيران بعد الاتفاق الاستراتيجي الضخم بين طهران وبكين بدعم من موسكو، وتوجد معطيات قوية بشأن توصل إيران بمنظومة إس 400 سرا لمواجهة أي مغامرة أمريكية أو إسرائيلية.
– الذي يغيب عن الكثير من المحللين في الكثير من وسائل الإعلام هو التغير الحاصل في ميزان القوى العسكرية. تستمر دول مثل إسرائيل قوية بشكل كبير وتستمر الولايات المتحدة الأقوى في العالم عسكريا، لكنّ دولا أخرى تتقدم عسكريا، سواء باقتناء أسلحة متطورة أو تصنيعها، ما يقلل الفجوة. ولعل الأمثلة الأبرز هي حالة باكستان وإيران وتركيا، التي أصبحت ضمن الدول 15 الأولى في الترتيب العسكري العالمي، وتقوم بتصنيع الكثير من عتادها عكس الماضي. يمكن لدولة امتلاك مئات المقاتلات المتطورة سواء أف 35، أو أف 15 الأمريكية بكلفة عشرات المليارات من الدولارات، ويكفي أن تمتلك الدولة المنافسة أو الخصم بضع بطاريات من أس 400 الروسية ببضع مليارات من الدولارات، أو التوفر على صواريخ دقيقة لضرب الآخر لتحقيق التوازن العسكري.
وليس من باب النكتة، بل الواقع، مهاجمة إسرائيل لإيران يعني لجوء الإسرائيليين إلى الملاجئ للاختباء من صواريخ إيران وحزب الله، بل ربما حتى حماس، وفي ظل ظروف الجائحة حاليا، الاكتظاظ في الملاجئ يعني ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا، وسيكون ضحايا كورونا أكثر من ضحايا الصواريخ.
وفي معطى آخر، الدول الكبرى في آسيا مثل باكستان والصين وروسيا لا يقلقها حصول إيران على السلاح النووي، كما يوجد تيار قوي في الدولة العميقة في واشنطن، لا يقلقه كثيرا حصول إيران على القنبلة النووية، بل يمكن التعايش مع طهران نووية مثل التعايش الحالي مع باكستان نووية. ويدرك هذا التيار استحالة شن إيران هجوما نوويا أو كيماويا على إسرائيل، لأنه يعني تدمير إيران نوويا. وبالتالي، وجود هذا التيار الأمريكي البراغماتي، الذي سبق له أن منع حرب إدارة جورج بوش ضد إيران سنة 2006 يعني استبعاد فرضية الحرب نهائيا. وكانت إدارة بوش تنوي شن حرب ضد إيران ما بين سنتي 2005 و2006، لكن 13 جهازا استخباراتيا قدموا للرئيس وقتها تقارير تفيد بأن إيران لا يمكنها تطوير القنبلة النووية، والهدف كان تجنيب الولايات المتحدة حربا مكلفة ولا يمكن الانتصار فيها. وكتب جون بولتون السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة وقتها ولاحقا مستشار الأمن القومي مع إدارة ترامب في كتابه “الاستسلام ليس حلا” أنه حدث اتفاق شبيه بالمؤامرة بين أجهزة الاستخبارات لتفادي الحرب، ووصف تصرف الأجهزة الانقلاب.
الحديث عن هجوم إسرائيلي ضد إيران، يعادل خرافة توقيع السعودية على صفقة أسلحة أمريكية تفوق 400 مليار دولار خلال حقبة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وبعد مرور أربع سنوات على تلك الصفقة الشهيرة، لم تتجاوز الأسلحة المسلمة ملياري دولار، أي مئتي مرة أقل. جرى الترويج للصفقة من دون التساؤل عن استحالة إنتاج المصانع الأمريكية تلك الكمية من الأسلحة، ثم استحالة بيع البنتاغون أسلحة متطورة للسعودية، علاوة على استحالة استيعاب الجيش السعودي كميات كبيرة من الأسلحة. لن تقع أي حرب أمريكية – إسرائيلية ضد إيران، فهي من خرافات الإعلام الحالي.