كشف رئيس حكومة ماليزيا السابق محمد مهاتير كيف باعت الولايات المتحدة لدولته طائرات مقاتلة من نوع ف 16 تصلح فقط للإستعراض. وهذه من الأسرار التي لا تستطيع الدول العربية الكشف عنها لشعوبها رغم صفقات الأسلحة التي يفترض أنها موجهة الى الدفاع عن حوزة الوطن وتجعل قدراتها محدودة للغاية من المحيط الى الخليج ومنها حالة مصر والعربية السعودية أساسا.
ويقول محمد مهاتير في برنامج شاهد على العصر في قناة الجزيرة” جرى بثه منذ أيام إنهم اكتشفوا أن الولايات المتحدة باعتهم طائرات “إف 16″ بدون الشفرات الأساسية وبدون البرمجة الكاملة التي تتيح لماليزيا الانتفاع بكافة قدرات الطائرة، بما فيها القتالية. ويضيف ” أنه لا بد لهم من العودة للولايات المتحدة إذا أرادوا أن يستخدموا الطائرة لغايات قتالية ضد أي دولة، وذلك حتى يبرمجها الخبراء الأميركيون لهم، مما يعني تكلفة إضافية على سعر الطائرة، كما أن قرار استخدامها قتاليا يظل مرهونا بإرادة الأميركيين“.
رئيس حكومة ماليزيا السابق يكشف ولأول مرة عن أهم الأسرار التي تتستر عليها الدول وخاصة العربية، وهي من الأسرار التي تؤكد عجز ومحدودية الدول الغربية عسكريا رغم اقتناء السلاح ورغم الحديث عن صفقات عسكرية ضخمة التي تكون عادة حبرا على ورق. وعلاقة بهذا، تبيع الولايات المتحدة نسخا غير متقدمة من أسلحتها الى كل الدول العربية والإسلامية بدون استثناء.
وهناك نكتة يتداولها الخبراء العسكريون الأمريكيون وتبرز بنوع من السخرية الأليمة هذا الواقع، يقولون “إف 16 المصرية تحتاج الى ثلاثة أشخاص، الربان الذي يقود وشخص يفتح نافذة سفلى وآخر يلقي بالقنابل على شكل الحرب العالمية الأولى، بينما إف 16 الأمريكية والإسرائيلية تحتاج الى الربان فقط“. ماذا يعني هذا: يعني أن مصر التي تتوفر على أكثر من 200 طائرة إف 16 لا توجد ضمنها النسخة الأولى بل كل النسخ ذات فعالية محدودة. وتتجلى المحدودية في عدم التوفر على دقة التصويب عن بعد بل على الربان الاقتراب كثيرا من الهدف، وهو ما سيجعله هدفا سهلا لنيران العدو، ولا يمكن للطائرة حمل الكثير من الأسلحة مما يجعل قوتها النارية محدودة علاوة على محدودية خزان البنزين الذي لا يسمح لها بقطع مسافات طويلة لكي تضرب وتعود الى قاعدتها سالمة، وربما المعطى الأخطر هو لا يمكن للطائرات المصرية خرق الأجواء الإسرائيلية لأن برنامج التحليق لن يسمح لها بذلك.
وفي ملف آخر، طائرات إف 16 المغربية لا تشكل خطر على اسبانيا لأن هذه الأخيرة دولة مسيحية عضو في الحلف الأطلسي وتتوفر على أهم قاعدة لحرب النجوم أو الذراع الصاروخي الأميركي في قاعدة روتا. ويشترط البنتاغون على المغرب عدم مهاجمة اسبانيا بل الدفاع عن نفسه فقط. ويتكرر السيناريو مع الأردن التي اقتنت إف 16، ومع الجزائر التي أعادت منذ سنوات الى روسيا طائرات ميغ 29 لأنها كانت لعب أطفال وليس مقاتلات.
مثلا في حالة المغرب، السلاح الذي يرعب اسبانيا ليس غربيا رغم أنه زبون لفرنسا والولايات المتحدة بل هي راجمات صينية قادرة على ضرب المدن الإسبانية عن مسافات بعيدة (انظر: قلق إسباني من اقتناء المغرب راجمات صواريخ صينية في إطار سباق التسلح مع الجزائر، القدس العربي 22 فبراير 2018).
وتعد العربية السعودية الدولة التي تقتني أسلحة أمريكية دون فعالية قتالية تذكر، فخلال حرب اليمن، تحتاج إلى المساعدة الأمريكية والبريطانية للتخطيط وضرب الأهداف لأن معظم الأسلحة التي تقتنيها لن تنفعها في أي حرب متقدمة مع دولة ذات إمكانيات. كما أن صفقات الأسلحة التي توقعها السعودية هي مجرد فرقاعات تدعو للسخرية ومنها تلك التي تتحدث عن 460 مليار دولار (انظر: استحالة اقتناء السعودية أسلحة أمريكية بقيمة 460 مليار دولار، القدس العربي 5 فبراير 2018).
ولا تبيع روسيا والولايات المتحدة نسخ أولى من أسلحتها للدول العربية والإسلامية لأسباب تتعلق بأمنها القومي وبالتوازنات (انظر القدس العربي، روسيا وأمريكا تتجنبان بيع نسخ متقدمة من الطائرات المقاتلة للعالم العربي، القدس العربي 18 فبراير 2018). وفي بعض الأحيان توجد عمليات تسلح حقيقية ببيع نسخ متقدمة ولكن ليست الأولى، ومنها قرار موسكو بيع الجزائر وتركيا منظومة الدفاع الصاروخية إس 400. وترغب روسيا من وراء هذه الاستراتيجية جلب تركيا الى صفها لشق الحلف الأطلسي، بينما في حالة الجزائر هو تمكينها من سلاح فعال ضد أي محاولة غربية لتدخل عسكري يستهدفها بعد التدخل العسكري الغربي في ليبيا وإسقاط نظام معمر القذافي. وبدأت روسيا في تكسير هذا المبدأ العسكري وتبيع نسخا متطورة نسبيا من أسلحتها، ولهذا يوجد إقبال على شراء الأسلحة الروسية خلال السنوات الأخيرة ومنها دول مثل مصر وتركيا.
وعليه، أغلب الأسلحة التي تقتنيها الدول العربية والإسلامية من الولايات المتحدة تصلح كما قال محمد مهاتير للاستعراض العسكري ليس إلا. كما أنها لا تتعدى في العمق إيهام الأنظمة الحاكمة لشعوبها بوهم التفوق والعظمة العسكرية.
هذا الوهم هو الذي يتكسر ساعة الحقيقة في التحديات الكبرى، ونرى كيف تفشل السعودية بأسلحتها التي يفترض متطورة في هزم حركة الحوثيين. كما كل ما يقال عن هجمات مصرية ضد سد النهضة في إثيوبيا هو مجرد كلام رقمي وفوق الورق لأن سلاح الجو المصري لا يمكنه الوصول الى العمق الإثيوبي بسبب المسافة البعيدة، ثم صعوبة المرور من الأجواء السودانية علاوة على منظومة دفاع إسرائيلية اقتنتها إثيوبيا، وتدخل ضمن استراتيجية إضعاف إسرائيل لمصر لأنها تبقى الخطر الدائم الذي تخشاه خلال العقود المقبلة. وما يقلق إسرائيل الآن هو بدء رهان مصر على السلاح الروسي من جهة، وبدء مصر تطوير صناعة الصواريخ على شاكلة إيران، وهذا سيجعل الوضع العسكري مختلفا في الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة.
الدول العربية تبيع للعالم العربي فقط نسخا حقيقية من نوع واحد من الأسلحة وهي المعروفة ب بأسلحة محاربة الشغب، أي الأسلحة التي تستعمل في قمع المعارضين ومواجهة الانتفاضات المنددة بالفساد والمطالبة بالديمقراطية مثل القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي.