التحق مجموعة من اليساريين الراديكاليين بالمخزن (قليل منهم والأغلبية بقيت شريفة) إبان السنوات الأخيرة. وتطوعوا بحماس منقطع النظير لمواجهة رفاق الأمس ومواجهة الجيل الجديد من النشطاء الحقوقيين والديمقراطيين. وكان الاعتقاد السائد هو أن هذه الظاهرة المرضية ربما محصورة في بعض هؤلاء اليساريين، ولكن الأحداث والتطورات تبرز أنها علامة سياسية تمتد لتشمل حتى الإسلاميين . ويشكل وزير العدل والحريات مصطفى الرميد النموذج المجسد لها.
واشتهر مصطفى الرميد في المعارضة بالتصدي لقوانين المخزن، ولم يتردد في التشكيك في تفجيرات 16 مايو في الدار البيضاء، واعتبر قانون الإرهاب قانونا لإسكات المنادين بالإصلاح. وبعدما وصل الى الحكومة وأصر على إضافة كلمة الحريات الى وزارة العدل لتصبح “وزارة العدل والحريات”، انقلب على مبادئه.
لم يكتف الرميد بتبرير اعتقال الزميل علي أنوزلا مدير النسخة الرقمية لجريدة لكم، بل، والأسوأ من ذلك، انه يساهم بقسط وافر في تغليط الرأي العام المغربي رفقة زميله في الحكومة مصطفى الخلفي. فقد صرح الوزير هذا الأسبوع مخاطبا الصحفيين “لو اطلعتم على محضر استنطاق علي أنوزلا لغيرتم رأيكم”. وبهذا يكون الوزير الذي يتحدث عن الحياد قد مارس تأثيرا خطيرا للغاية لا يمكن لأي وزير أو مسؤول سياسي يؤمن بالحياد القيام به.
الوزير مصطفى الرميد نسي كيف تعد المحاضر في مخافر الشرطة وهو المحامي الذي خبّر ذلك في محاكمات 16 مايو، لاسيما إذا تعلق الأمر بصحفي تبين أن اعتقاله جاء بخلفية انتقام واضحة، بعيدا عن تهم الإرهاب التي توجه إليه، بعدما شهد خبراء العالم وعلى رأسهم مضمون افتتاحية الواشنطن بوست التي شددت على أن ما أقدم عليه أنوزلا عمل مشروع.
وقد خانت الوزير خبرته في الدفاع كمحام فنسي أن علي أنوزلا رفض التوقيع على محاضر، ومن ثمة لايعتد بها، في انتظار التحقيق الذي سينجزه قاضي التحقيق بحضور محاميه. فكيف يستشهد الوزير بهذه المحاضر ويبني عليها تصريحاته غير المناسبة.
لكن ما سيحتفظ به التاريخ السياسي في البلاد، هو كيف أن سياسيا من طينة الرميد يدعي الارتكاز على مبادئ الإسلام في خطاباته وممارساته، أصبح بعد الوصول الى السلطة بمثابة حرباء ، يتكيف مع الاطياف و كثرة الألوان ،ويعني ذلك فيما يعنيه ان الرجل قد سقطت عنه المبادئ.