عادة ما يشكل ظهور رئيس حكومة أي بلد فرصة للرأي العام لمعرفة مسار البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لا سيما في الأوقات العصيبة. ويأتي رئيس الحكومة مسلحا بالأرقام والمعطيات ليفسر للرأي العام التطورات الحاصلة، لكن هذا التقليد يغيب عن رئيس الحكومة المغربية عبد الإله ابن كيران الذي بنوع من العفوية أو استبلاد الشعب ردد أكثر من مرة “لا أحب الدخول في التفاصيل”.
وظهر ابن كيران أمام التلفزيون لكي يقدم للرأي العام شروحات حول الظروف التي تحكمت في تشكيل النسخة لاثانية من الحكومة وكيف أصبحت “أخطبوطا مكونة من رؤوس متعددة” ، لكن ما حدث هو سقوط رئيس الحكومة في خطاب يقترب من “الشعبوية”.
بدل تقديم معطيات، بدأ يواجه الصحفيين وكأنهم خصوم سياسيين يرى فيهم “شبح شباط”. ولم يتردد في الاجتهاد بقوله عندما طالبه صحفي بتقديم تفاصيل حول الاقتصاد والسياسة “لا أريد الدخول في التفاصيل، المجتمع هو الذي يحاسبني على التفاصيل”. وغاب عن رئيس الحكومة أن الصحافة هي الناطقة باسم المجتمع وهي أداة الوصل بين الحكومة وباقي المؤسسات والرأي العام.
هيمن رئيس الحكومة على الحوار طيلة الوقت بشكل لم يقم به اي رئيس حكومة من قبل، ورغم ذلك غابت الأرقام وغابت المواضيع الكبرى ولم يقدم التصور الجديد لحكومة 39 وزيرا. نزاع الصحراء اقترب من مرحلة الحسم ولم يخصص له رئيس الحكومة ولو ثانية واحدة ضمن ساعة و25 دقيقة التي استغرقها البرنامج. وتفادى الحديث عن علاقة الحكومة مع ما تفرضه المؤسسات المالية الدولية، ولم نسمع ولو كلمة عن النمو الاقتصادي الذي هو ركيزة كل عمل حكومي، ودافع عن المقايسة وكأنها مكسب سياسي واجتماعي.
من الصعب استخراج أرقام وتصور جديد للدبلوماسية لمواجهة التحديات التي يواجهها المغرب خارجيا، ولكن بدون شك سيحتفظ الرأي العام علاوة على التعبير الشهير “واش فهمتيني وللا” بتعابير جديدة تغني القاموس السياسي لرئيس الحكومة وهي: “خليني نتكلم، هذا ماشي سؤال” “هل هذا أدب الحوار” نحن نتحدث عن سياسة البلاد” “الله يهديك”. تعابير تجعل من لقاء أمس بين رئيس الحكومة والصحفيين قريبا من “الحلقة في جامع الفنا” منها برنامجا حواريا.