بعد عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي اختلط المشهد الإعلامي في مصر، فبينما تحتفي بعض وسائل الإعلام بإجراءات الجيش، تشكو أخرى من القمع والملاحقة. أما الأجنبية منها فباتت هي الأخرى تواجه الكثير من المصاعب في تغطية الأحداث هناك.
بعد الهجمات على معارضي الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، والتي سقط خلالها أكثر من خمسين شخصاً، دعا الجيش والشرطة إلى مؤتمر صحافي غير معتاد. وبعد دقائق قليلة عمت الفوضى القاعة التي عُقد فيها المؤتمر الصحافي، ليس لأن الصحافيين المصرين تزاحموا من أجل طرح الأسئلة على الجيش، وإنما لأنهم طالبوا بمغادرة صحافيي قناة الجزيرة القطرية للقاعة. إذ تُتهم القناة بمحاباتها للإسلاميين، ما دعا فريق عمل هذه القناة إلى حزم أغراضه ومغادرة المكان على وجه السرعة. بعد ذلك بدأ المتحدث باسم الجيش المصري كلامه قائلاًَ: “مصر بلد الحرية والديمقراطية!”، فعلا تصفيق الصحافيين الحاضرين. وبعد الجزء الرسمي من المؤتمر لم يرغب أي منهم في طرح أسئلته.
ويواجه الكثير من العاملين في مجال الإعلام مصاعب كبيرة بعد الإطاحة بمرسي، أول رئيس مصري منتخب ديمقراطياً: فالقنوات الموالية للإسلاميين تم إغلاقها واحتجاز صحافييها ومصادرة تجهيزاتهم الفنية.
تغطية غير نقدية
أما وسائل الإعلام الأخرى، التي ما يزال يُسمح لها بالعمل، فقد انعقدت كلمتها على الوقوف خلف الجيش المصري. ومن يحاول استقاء المعلومات من الصحف والقنوات التلفزيونية المصرية، يتولد لديه انطباع بأن البلد بأكمله يدعم إجراءات الجيش. ومن أجل عدم المساس بصورة هذا الجيش، فيجب تحمل أضرار التغطية غير الدقيقة والنقدية. ولا توجد سوى تقارير قليلة عن الهجمات الأخيرة، وبالأخص أكثرها دموية، ذلك الذي جرى أمام مقر الحرس الجمهوري وقُتل فيه العديد من مؤيدي الإخوان المسلمين. فإحدى القنوات الحكومية كان يبث برنامجاً دينياً، بينما بثت أخرى مقابلة مع أحد الضباط، أكد فيها الأخير أن كل شيء على ما يرام.
عن ذلك يقول عادل عبد الغفار، من الجامعة الأمريكية في القاهرة،: “بغض النظر عمن يتولى مقاليد الحكم، فإن وسائل الإعلام الحكومية ستقف إلى جانبه”. وحتى تقارير وسائل الإعلام الخاصة عن الجيش تتسم بشيء من الإيجابية، فخلال رئاسة الإخوان المسلمين تم قمعهم ومهاجمتهم بسبب تغطيتهم السلبية لنظام مرسي. لكن الفرحة بتغيير مقاليد السلطة في مصر كبيرة لدرجة أنه لم يعد هناك مكاناً للأسئلة النقدية.
قمع وسائل الإعلام الأجنبية
وبينما تقف وسائل الإعلام المحلية إلى جانب الجيش، ما يزال الصحافيون الأجانب يواجهون صعوبات عدة في تغطية أحداث مصر عموماً. حين أراد ديرك إيميريش، صحافي في قناة إن تي في الإخبارية الألمانية، تغطية ألمواجهات بين الجيش وعناصر من الإخوان المسلمين أمام مقر الحرس الجمهوري، تم احتجازه هو وفريق عمله.
وبحسب إيميريش فقد سأل الجنود فريق العمل: “من أين أنتم؟ من سي إن إن أم من بي بي سي؟”، وتم احتجازهم لسبع ساعات من دون تقديم أي إيضاحات. ويضيف الصحافي الألماني بالقول: “يعتقد الجيش المصري أنه يجب عليه السيطرة على كل شيء وكل شخص. ويشعر المرء بتحفظات كبيرة تجاه وسائل الإعلام الأجنبية، وتجاه سي أن أن وبي بي سي والجزيرة خصوصاً”.
ويحشد المتظاهرون المعارضون للإخوان ولحكم مرسي ضد وسائل الإعلام الأجنبية قائلين: “ربما رصاصة تقتل إنسان، لكن كاميرا كاذبة تقتل أمة”. مثل هذه المنشورات وغيرها من اللافتات تم توزيعها في محيط المباني التي تعمل فيها وسائل الإعلام. كما يرفع المتظاهرون لافتات كُتب عليها: “سي إن إن تدعم الإرهاب”. ونتيجة ذلك فإن الكثير من الصحافيين الأجانب لم يعودوا يرغبون في العمل بمصر بسبب الأجواء العدائية هذه ولأسباب تتعلق بأمنهم.
شعب أكثر نقدية
وفي الوقت الراهن تحاول وسائل الإعلام الموالية للإسلاميين نشر أخبارها على تويتر وشبكات التواصل الاجتماعي الأخرى، كما أنها تستخدم وسائل الإعلام الأجنبية لذلك الغرض أيضاً. “الإخوان المسلمون ينشرون مقالاتهم في صحف مثل الغارديان وواشنطن بوست. يريدون أولاً إيصال رأيهم في أن ما يحدث في مصر ليس سوى انقلاب عسكري”، كما يقول عادل عبد الغفار.
وحتى في حالة انتهاء الحرب الإعلامية الدائرة في مصر، فنلمس تطوراً إيجابياً، “إذ بات بحث الناس عن المعلومة لا يقتصر على وسائل الإعلام التقليدية، فقد أصبحوا أكثر نقدية وتشككاً مقارنة بالماضي”، يوضح عبد الغفار