تلوح في الأفق، ملامح تحالف ثلاثي جديد ذو طابع سياسي ـ أمني، قوامه جزائري ـ مصري، برعاية وتمويل سعوديين، قد يُعلَن عنه قريباً. ملامح يتحدث عنها مطلعون، في القاهرة والجزائر، على مستجدات العلاقة بين العواصم الثلاث. وقالت مصادر “العربي الجديد”، في القاهرة، إن “الحلف الجديد يركز، خلال الفترة الأولى، على ما يمكن وصفه بمحاصرة مناطق ثورات الربيع العربي، خصوصاً في شمال أفريقيا، وتحديداً في كل من تونس وليبيا”. وأضافت المصادر أن “محاربة الإرهاب والتطرف” ستكون اللافتة المعلنة للحلف الجديد، وهي المبرر الذي يتوقع المشاركون في الحلف الجديد أنه يمكن تسويقه وترويجه إعلامياً وسياسياً، محلياً وإقليمياً ودولياً”.
وأكدت المصادر أن “الجزائر قامت بدور كبير في إعادة مصر إلى الاتحاد الأفريقي، وصلت إلى حد تقديم العديد من المنح والدعم لدول أفريقية عدة، ساهمت بدورها في قبول العودة المصرية للاتحاد”، وهو ما يندرج في خانة هذا التحالف ومفاعيله. وربط مراقبون بين “التعليمات الصريحة العليا”، التي صدرت للعديد من وسائل الإعلام المصرية الخاصة والحكومية، بالتركيز وحشد وتوجيه الرأي العام للمزيد من الإشادة والتعاطف مع مشاركة المنتخب الجزائري لكرة القدم في مباريات كأس العالم بالبرازيل، من جهة، وبين التمهيد لتدشين الحلف الجديد من جهة ثانية، بالإضافة إلى حرص الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، على زيارة الجزائر لساعات بصورة مفاجئة قبل يومين، قدم خلالها الشكر للقيادة الجزائرية على موقفها الداعم لعودة مصر للاتحاد الأفريقي، ولتقديم شحنات من الغاز الطبيعي لمصر بأسعار متدنية للغاية. وعلّق أحد المراقبين على الحلف الجديد، بأنه ربما يقوم على “قيادة المنطقة نحو الماضي”. وبحسب مصادر جزائرية، لم تشكل زيارة السيسي إلى الجزائر نقطة تحوّل على صعيد العلاقات الجزائرية ـ المصرية فحسب، بل أشّرت إلى بدء تفاهم مركزي بين ثقلين سياسيّين، يضاف إليهما الثقل السعودي الذي يمكن وضعه في خانة واحدة مع الموقف المصري إزاء القضايا والملفات المطروحة على الصعيد العربي والاقليمي، باستثناء العراق، ربما. وليس غريباً أن تتفق الجزائر مع الرياض على مناهضة الثورات العربية، بدليل الموقف الجزائري تجاه الثورة السورية، الأقرب إلى نظام الرئيس بشار الأسد، طبعاً تحت شعار “دبلوماسية المبادئ” القائمة على “عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والنأي بالنفس عن التطورات المتلاحقة في عدد من الدول العربية، خصوصاً دول الجوار، كتونس وليبيا، خلال فترة الربيع العربي، وهي المواقف التي كانت تتعرض، ولا تزال، لانتقادات سياسية وشعبية في الجزائر.
وتؤدي علاقة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بدول الخليج، دوراً مهماً لمصلحة هذا المحور، على خلفية إقامته لفترة في دولة الامارات، عندما أُبعد من السلطة في التسعينات. ويعتقد المحلل السياسي، رضوان عطاء الله، أن الأمور تتجه الى “إعادة تشكيل محور جديد بما يسمى محور اﻻعتدال، ركيزته اﻷساسية من الدول المحورية اﻵن القادرة على قيادة القاطرة العربية على أسس جديدة، كالجزائر والسعودية ومصر”. ويرى عطاء الله أن “كلاً من مصر والسعودية اقتنعتا بمقاربات الجزائر، سواء على مستوى إدارة اﻷزمات الداخلية، خصوصاً السياسية منها، وﻻ سيما التعامل مع حركات اﻹسلام السياسي، وكذا في مقارباتها لأزمة الساحل وليبيا وسورية ومحاربة اﻹرهاب والتعامل مع إيران”. ويكمل عطاء الله بالقول: “أعتقد أن هناك حواراً هادئاً وعميقاً يجري على مستوى خبراء هذه البلدان لرسم خريطة جديدة لمستقبل المنطقة وتفادي أي مفاجآت”.
لكن الباحث في الشؤون الإستراتيجية، مدير كلية العلوم السياسية في جامعة ورقلة، جنوبي الجزائر، قوي بوحينة، يربط توجّه مصر الى السعودية والجزائر، ب”سلوك براغماتي صرف تنتهجه الدبلوماسية المصرية الجديدة لتشكيل محور سياسي جديد، وخصوصاً أن الجزائر تمتلك عملياً مفاتيح عدة للدبلوماسية الاقليمية، تحديداً في أفريقيا. ومعلوم أن الجزائر قامت بجهد في فك الحصار المضروب من قبل الاتحاد الافريقي تجاه مصر، بعد تصدّر الجيش بقيادة السيسي، للمشهد السياسي المصري”. ويشير بوحينة أيضاً إلى أن السيسي “يراهن في هذا المحور الثلاثي على مسألتين، الأولى تتعلق بإعادة الارتباط السياسي لمصر بدول الثقل، كالجزائر والسعودية، والثانية اقتصادية، ترتبط بتزويد مصر بالغاز، وهو سلوك تتعاطى الجزائر والسعودية معه بايجابية”. وفي حين يشدد بوحينة على أن بين الجزائر والسعودية ومصر “قواسم مشتركة في الموقف من تطورات الربيع العربي وقضايا أخرى”، إلا أنه يستدرك بالقول إن “التحفظ الجزائري الدائم في الحراك السياسي والدبلوماسي على الصعيد العربي، قد لا يشكل عامل دفع إيجابي لهذا المحور”.