تواجه الحكومة المقبلة لإسبانيا سواء اليمينية أو اليسارية تحديات داخلية وخارجية، ومن ضمنها الموقف الذي ستتبناه في ملف نزاع الصحراء، إذ عليها الأخذ بعين الاعتبار الموقف الداخلي وكذلك الخارجي المتمثل في كيفية التجاوب مع كل من المغرب والجزائر لكسب ودهما، وهي عملية صعبة.
ولم تسفر الانتخابات التشريعية، التي جرت في 23 يوليو الماضي، عن أغلبية واضحة سواء لليمين أو اليسار، إذ يحتاج الحزب الاشتراكي الحاكم مؤقتا لأصوات الأحزاب القومية الإقليمية في بلد الباسك وكتالونيا، والأمر نفسه مع الحزب الشعبي المحافظ المتحالف مع حزب فوكس القومي المتطرف.
ولم يوجه الملك فيلبي السادس الدعوة إلى أي زعيم من الحزبين الكبيرين، بيدرو سانشيز الأمين العام للحزب الاشتراكي رئيس الحكومة المؤقتة ونونييث فيخو الأمين العام للحزب الشعبي، لتشكيل الحكومة المقبلة. ويبدو أن المؤسسة الملكية تنتظر وضوح المشهد السياسي الانتخابي لمعرفة من يمتلك أكبر الحظوظ لتشكيل الحكومة. وجرى التقليد بتوجيه الملك الدعوة الى الحزب الفائز.
ومن ضمن التحديات التي تواجه الحكومة المقبلة هو نوعية الموقف تجاه نزاع الصحراء. وكان رئيس الحكومة الحالي سانشيز قد أعرب عن دعم الحكم الذاتي في رسالة وجهها الى الملك محمد السادس خلال مارس 2022، الأمر الذي رفضته باقي الأحزاب، ودفع الجزائر إلى سحب سفيرها من مدريد وتجميد الواردات الإسبانية.
في هذا الصدد، إذا شكل الحزب الشعبي الحكومة، سيكون هدفه الحفاظ على علاقات متينة مع المغرب ولكن في الوقت ذاته سيعمل على استعادة العلاقات مع الجزائر. وكان الحزب قد انتقد بشدة ما أسماه تغيير حكومة سانشيز لموقف إسبانيا التاريخي من الصحراء، وتعهد بالعودة إلى الموقف التاريخي أي عدم دعم الحكم الذاتي على الأقل بشكل مباشر. والراجح هو رهان هذا الحزب على استراتيجية شبيهة بموقف الإدارة الأمريكية الحالية. فمن جهة، لم تتخل عن موقف الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، الذي اعترف بسيادة المغرب على الصحراء في ديسمبر 2020 ضمن الاتفاق الثلاثي مع إسرائيل والمغرب، ومن جهة أخرى، تركز كثيرا على مساعي الأمم المتحدة للبحث عن الحل المقبول بدل دعمها الواضح للحكم الذاتي. وهذا الموقف، وفق مصادر سياسية تابعة للحزب الشعبي، هو الكفيل الذي سيجعل حكومة اليمين تستمر في علاقات متينة مع المغرب وتسمح لها باستعادة العلاقات المجمدة مع الجزائر. ولن تكون حكومة الحزب الشعبي رهينة الضغط الداخلي لأنها ستتحالف أساسا مع حزب فوكس المتطرف، الذي لا يهتم كثيرا بنزاع الصحراء، بل ولم يشر إليه في برنامجه الانتخابي.
في المقابل، سيجد بيدرو سانشيز نفسه في موقف صعب نسبيا، سيتطلب منه الذكاء السياسي لخلق توازن. فمن جهة، لا يريد خسارة العلاقات مع المغرب إن هو تخلى عن موقفه السابق بدعم صريح للحكم الذاتي، لأن التراجع يعني أزمة جديدة قد تكون صامتة ولكن شائكة. في المقابل، سيتعرض لضغط شديد من طرف حلفائه في الائتلاف الحاكم أو الأحزاب القومية التي تؤيده وكلها تنادي بتقرير المصير في الصحراء. ويشدد حليفه الحكومي حزب سومار على تقرير المصير، وأبدى رفضا لدعم الحكم الذاتي رغم وجوده في الحكومة.
ويراهن بيدرو سانشيز على الليونة وإشارات الثقة. في هذا الصدد، تجنب خلال الشهور الأخيرة الحديث عن دعم الحكم الذاتي، مشددا على استمرار موقف إسبانيا التاريخي بدون تغيير، وهو موقف يثير شكوك المغرب، لكنه ترك تصريحات دعم الحكم الذاتي لوزير خارجيته مانويل ألباريس. وفي المقابل، توجه هذا الأسبوع إلى مدينة مراكش في المغرب لقضاء العطلة في إشارة ودية واطمئنان نحو الدولة المغربية. وأعادت هذه العطلة الحديث عن نزاع الصحراء بشكل كبير في الساحة السياسية الإسبانية.