منذ أن أرست المجلة الأمريكية «تايم» تقليد شخصية السنة، أصبحت وسائل الإعلام تتسابق سنويا لاختيار شخصية السنة، سواء على المستوى الدولي أو الوطني. وكانت الغلبة في البدء للقادة السياسيين والعسكريين. وتغير الوضع مع مرور الوقت، وأصبح يجري اختيار مؤسسات ومثقفين وفنانين، بل حتى أناس عاديين خلقوا فجأة الحدث.
وفي المغرب، يحضر هذا التقليد، وغالبا ما يجري اختيار شخصيات مقربة من السلطة، من طرف وسائل إعلام، أغلبها لا يمتلك القرار، في تأكيد على نجاعة سياسة الدولة، لكن هذا التقليد بدأ يغيب بحكم سوداوية الوضع، لاسيما بعدما اعترف الملك محمد السادس بفشل المشاريع التنموية، ودعا إلى العمل من أجل مشروع جديد، وعليه يتجنب الكثيرون الاختيار، لأن قتامة الوضع لم تعد تستحمل الفوتوشوب مهما كانت حرفية من يستعمله.
لكن، من سوداوية الوضع، يبرز الأمل أحيانا، يحصل حدث يحمل طابعا أقرب إلى الأسطورة، وهو ما حدث مع الشابة فاطمة أبودرار، مغربية مثل باقي المغربيات، شاء سوء حظها أن تعرضت للسرطان، وهي العاطلة عن العمل لم تجد للعلاج طريقا في وطنها، فاختارت مصارعة الموت بالموت. ركبت قوارب الهجرة التي تعرف بقوارب الموت في رهان أخطر من روليت روسي، الموت في قاع البحر أو النجاة والبحث عن العلاج في الضفة الأخرى، في وطن ليس وطنها. وكانت المغامرة خلال نهاية السنة التي ودعناها، منطلقة من جنوب المغرب نحو جزر الكناري، ووصلت إلى الضفة الأخرى في تحد نادر، الأمر الذي يجعلها تستحق شخصية السنة في المغرب 2019 لجرأتها وشجاعتها في قهر الأقدار الظالمة. إنها نسخة من حفيدة طارق بن زياد، التي تركت وراءها دولة لم تنصفها، وأمامها مرض مفترس قد لا يمهلها. لقد خطت تدوينة رائعة في الفيسبوك يوم 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، مباشرة بعد وصولها إلى جزر الكناري. الآن تهتم الصحافة الوطنية والدولية بقصتها، وغدا ستكون بدون شك فيلما سينمائيا، يبرز نبل التحدي الإنساني لظلم الأقدار. تدوينة تحمل اسم «الولادة مرتين» وهذا نصها المأخوذ من موقع فاطمة أبودرار: «لطالما قلت ستستمر الحياة.. رغم كل شيء محبط
ستستمر.. رغم كل الظروف القاسية، سأبادلها المضي قدما بتحد كبير، رغم الانتكاسات والشدائد، سأطارد ما تبقى من الأحلام المسروقة، رغم الحاضر الموحش والمستقبل المجهول، نعم سأبقى هنا واقفة أقاوم وأقاتل على ناصية الحلم.. بدون استسلام. لست من أصحاب النظرة السوداوية، ولا الذات المتشائمة، لكن أرغمت على حياة فيها الهوامش للشرفاء، والرفاهية لسارقي الطموحات والأماني. لطالما قلت للحياة أنا في انتظار الغد الجميل، رغم أنني مثقلة بهدايا الوجع والمرض في سبيل الأفضل. لطالما كنت استوعب دروسها القاسية، رغم الأسوأ، رغم أنها رزقت أصحاب الوجوه حبها وحضنها الدافئ، وجعلتني أنا خارج المعادلة، لكن رغم كل شيء فأنا أحب الحياة، متى استطعت إليها سبيلا».
فأنا سيدتي الحياة لم أجد السبيل سوى في ركوب قوارب الموت والمغامرة بحياتي لأيام طوال، كانت بمثابة زمن من الخوف والموت، بدل المرة ألفا طمعا في النجاة ليس إلا وافتتاح لحياة جديدة ولولادة روح أقوى ..فأنا سيدتي الحياة أغتيلت أحلامي في مهد بلدي، مرضا وبطالة وعطالة وموتا واضطهادا، لم يدفعني حب المغامرة وتغيير الروتين ولا مداعبة التجارب لخوض غمار المعركة ضد اعتى المحيطات وأخطر العوالم الزرقاء في البسيطة.. فلقد كان الدافع أكبر من أن أبقى لأتعذب في مكاني بدون نتيجة، رغم أنني قاومت لتحقيق كل شيء واستمررت لإثبات ذاتي، ولو تكالبت عليّ محن الزمن حالي حال باقي المنكوبين معي في القارب… لكن لا حياة لمن تنادي. كنت أوهم نفسي بأن الحياة في بلدي فسحة جميلة تستحق أن تعاش، على أساس أنه سيشرق الضوء في آخر النفق، ولكن تذكرت بعد عناء طويل أنها مقبرة الأحياء ليس إلا .كل من كان معي كانت عيونه تحكي عن طعم الحياة المر بطعم الحنظل، كانت أرواحهم تغني سيمفونية الحياة التي تقاوم الموت، في اعتقادنا أننا حتى إن لم ننتصر ومتنا، فسنكون قد خسرنا ونحن مبتسمين وأرواحنا مشبعة بالتحدي والمغامرة وبهذا الحال نكون قد انتصرنا لمجرد أننا لم نلب رغبة الموت، الذي يسكن محيطنا وبلدنا، ألا وهي: أن نموت ونحن معذبين عل قيد الحياة، في بلد لطالما قتلنا ولم يعترف بنا كأبناء حالمين له، كنا نقول مع كل موجة مفزعة، إن الموت لا بد أنه قادم، وهو نهايتنا الحتمية لا محالة، لكن في اللحظة ذاتها كنا نأمل مع أرواحنا لربما نستطيع أن نغير ولو القليل من مشاهد هذه النهاية الحتمية. عشت وخضت أصعب وأشرس معركة عشتها مع نفسي، دام اتخاذ هذا القرار فيها عاما من الزمن لأجد عالما لم أتوقعه في تلك التجربة. وحوش آدمية أنانية مادية تقول نفسي نفسي من بداية الرحلة إلى نهايتها كلفتني الكثير من الحيطة والحذر والألم والخصام والصراع من أجل البقاء على قيد الحياة… كافحت مع كل موجة من أجل صناعة الفارق المهم.. نعم الفارق المهم الذى رضخ أمام جبروته يأس الكثيرين.. اليأس الذي همس في أذن المستحيل وقال دعها وشأنها.. كانها وجدت لهزيمتنا دائما …كافحت أن لا أغرق مع كل موجة عاتية بأن أصنع الفارق المهم الذي أخوض من أجله اشرس المعارك الضارية التي لم تعرف لها الإنسانية مثيلا فوق البحر .
*قاومت لأصنع الفارق بين النجاح والفشل بين التحدي واليأس، قاومت من أجل إيجاد ذلك الفارق ما بين رؤية الأمل والإحباط في صراع كبير من أجل إيجاد ابتسامة تقهر المرض. كافحت بكل ما أوتي من إيمان ضد كل غمضة عين لإيجاد الفارق بين أن أقول بشجاعة (أنا لها) وأن أقول بنفس منكسرة (غيري لها) حتى وصلت..
*كافحت مع كل موجة برد قارسة من أجل إيجاد الفارق بين أن أكون ممن تشع عيناه ببريق خاص هو بريق الإصرار والتحدي وعدم الاستسلام، وأن أكون عينيك حتى لا تقوى أن تنظر بها على نفسك.
*قاومت مع كل ظلمة حالكة مغامرة في المجهول في إيجاد الفارق بين أن أكون ممن أرادوا أنفسهم أن يكونوا أو أن أكون ممن أرادت لهم الحياة أن يكونوا.
*كافحت مع كل دقة قلبي خوفا من الحوت الملتهم في إيجاد الفارق ما بين أن تكون أنت من يصنع ظروفه ويتلائم معها، ومن تصنعه الظروف وتسير به كيفما تشاء قاااااومت من أجل أن أموووت في عمق البحر أو أولد من جديد على أرض جذورها متشبعة بالإنسانية والرحمة. الرحمة والغفران لسعيد الليلي وكل روح طاهرة ماتت معه في عمق البحر.