تسبب حرب الكيان الإسرائيلي على فلسطينيي غزة شرخا وسط المجتمع السياسي والحقوقي الأمريكي، حيث يشهد الحزب الديمقراطي الحاكم انقساما، وتعيش الجامعات الأمريكية انقساما واضحا يميل الى دعم حقوق الفلسطينيين.
في هذا الصدد، اقتحم مئات الشباب من اليهود الأمريكيين المدافعين عن السلام المحطة المركزية في قلب مانهاتن في نيويورك ليلة الجمعة للتنديد بجرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين، وجاء الاعتصام بعد قطع الإنترنت عن القطاع علاوة على الماء والكهرباء. وملأ المتظاهرون محطة القطار وهم يهتفون: “وقف إطلاق النار الآن” و”لتعيش غزة”. وكان معظمهم يرتدون قمصانًا سوداء مكتوبًا عليها “ليس باسمنا”. وقدر أحد ضباط الشرطة أن هناك ما يصل إلى 1000 متظاهر.
وينتقل الانقسام إلى كل المؤسسات الرسمية الأمريكية، إذ تعيش وزارة الخارجية في واشنطن توترا بسبب دعم واشنطن اللامشروط لإسرائيل، ومن أبرز عناوين الرفض استقالة مدير القسم السياسي-العسكري في الوزارة جوش بول منذ أيام من منصبه، معتبرا أن إرسال الأسلحة إلى إسرائيل يضرب في العمق القيم التي تقوم عليها الولايات المتحدة.
وتصدر أصوات عن مختلف المؤسسات الاستخباراتية مثل المدنية سي آي إي والعسكرية دي آي إي تحذر من أن غياب التوازن في تصريحات المسؤولين الأمريكيين بالدعم المطلق لإسرائيل سيؤثر بشكل كبير على مصالح الولايات المتحدة في وقت تنهج الصين سياسة ذكية للغاية في النزاع الحالي.
وتتناول وسائل الإعلام الأمريكية ومنها لوس أنجلس تايمز في مقال لها يوم 14 أكتوبر الجاري كيف تعيش المدارس والجامعات الأمريكية نقاشا حادا ومتوترا حول الحرب الدائرة في قطاع غزة. وتبرز أن الأمر لم يعد يقتصر على إدانة حركة حماس بل انتقل إلى إدانة العنف، وتصر شريحة كبيرة من الأمريكيين غير المحافظين على ضرورة “الأخذ بعين الاعتبار تاريخ المنطقة والنزاع لفهم أعمق”. ويرى المراقبون أن ما يجري من نقاشات محتدة في جامعات مثل هارفارد وبنسيلفانيا وكولومبيا يعد منعطفا في الرؤية للقضية الفلسطينية.
وفي رصد الانعكاسات الكبيرة لهذا النزاع، تبرز جريدة نيويورك تايمز في مقال لها أمس الجمعة بعنوان “انقسام الحزب الديمقراطي حول إسرائيل مع غضب اليسار من بايدن”، مشيرا إلى أنه “بدأت وحدة الحزب الديمقراطي المستمرة منذ سنوات خلف الرئيس بايدن في التآكل بسبب دعمه الثابت لإسرائيل في حربها المتصاعدة ضد الفلسطينيين، حيث أظهر ائتلاف ذو ميول يسارية من الناخبين الشباب والأشخاص الملونين استياءً تجاهه أكثر من أي وقت مضى منذ توليه السلطة”.
وتضيف “فمن الكابيتول هيل إلى هوليوود، وفي النقابات العمالية وجماعات الناشطين الليبراليين، وفي حرم الجامعات وفي مقاصف المدارس الثانوية، يعمل الانقسام العاطفي حول هذا الصراع على هز أمريكا الليبرالية”. وبدا جليا تأثير أنصار كل من أبرز وجوه الحزب الديمقراطي بيرني ساندرز ممثل ولاية فيرمونت في الكونغرس وإليزابيث وارن ممثلة ماساشوستس في المجلس نفسه، المطالبين ليس فقط بهدنة إنسانية بل بوقف الحرب. وقال السيناتور كورني بوش عن ميسوري “لا نريد هدنة إنسانية نريد وقف الحرب ووقف إلقاء القنابل على المستشفيات والمدارس والساكنة في غزة”.
وتهدد تجمعات مؤيدة للحزب الديمقراطي بسحب التأييد لبايدن خلال الانتخابات المقبلة مثل مجموعة “سانرايز” المهتمة بالتغيير المناخي التي كانت ضمن المجموعات التي رجحت كفة بايدن في مواجهة ترامب في الانتخابات الرئاسية. وتقول مديرتها التنفيذية ميشيل ويندلينغ: “إذا استمر الحزب الديمقراطي والرئيس بايدن في إرسال الأسلحة والدعم العسكري إلى إسرائيل، فإنهم يهددون بخسارة جيلنا، وهذا قرار خطير للغاية قبل عام انتخابي حاسم”. وتعلق مجلة “نيو ريبابليك” الأمريكية “بدون شك، سيخرج الرئيس بايدن بأضرار من هذه الأزمة”.
ولا يعتبر التطور الحاصل في الحزب الديمقراطي مفاجئا بل جراء وعي متراكم تعاظم الآن بسبب اعتداءات غزة. في هذا الصدد، فقد كانت مؤسسة غالوب الأمريكية المكلفة باستطلاعات الرأي وطنيا وعالميا حول القضايا الكبرى أوضحت أنه لأول مرة في تاريخ النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي قد نشرت دراسة خلال مارس الماضي، تظهر أن ناخبي وأعضاء الحزب الديمقراطي الأمريكي أصبحوا يميلون أكثر لتأييد حقوق الفلسطينيين. وكشف الاستطلاع الذي تم تقديم نتائجه نهاية الأسبوع الماضي أن 49% من الديمقراطيين يؤيدون حقوق الفلسطينيين، بينما نسبة الذين لا يؤيدون أي طرف تصل الى 11% بينما مؤيدو إسرائيل تراجعوا إلى 38%.