تحمل التطورات السياسية في أوروبا معطيات غير مريحة للمغرب في نزاع الصحراء، فبعد ظهور حزب قوي في اسبانيا يؤيد جبهة البوليساريو بشكل لافت، تشهد بريطانيا ظاهرة جيريمي كوربين، الذي تحول الى الأمين العام لحزب العمال البريطاني، أكبر الأحزاب اليسارية الأوروبية والذي يترأس لجنة التضامن مع البوليساريو في البرلمان البريطاني.
وتعتبر بريطانيا من الدول الأوروبية التي تتبنى مؤسساتيا مواقف مناهضة للمغرب في نزاع الصحرا. وكانت مختلف الحكومات المتعاقبة على الحكم في لندن تنص على تقرير المصير وتبرز ملف حقوق الإنسان في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وتبدي تحفظات على إدماج الصحراء في اتفاقيات تجارية بين المغرب والاتحاد الأوروبي.
ومن من أبرز الأمثلة، تحفظها على تجديد اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي والتنصيص على تخصيص جزء مباشر لساكنة الصحراء تراقبه المفوضية الأوروبية.
ورغم مواقف لندن، لم تكن الأحزاب السياسية تهتم كثيرا بهذا النزاع بحكم غياب منطقة المغرب العربي في الأجندة الحزبية والدولة البريطانية. لكن يقع العكس خلال السنتين الأخيرتين، فقد تنافس البرلمان البريطاني مع نظيره الإسباني في التعاطي مع نزاع الصحراء، علما أن اسبانيا كانت قوة استعمارية وستتشيرها الأمم المتحدة في البحث عن الحل.
وحصل الاهتمام بالصحراء في بريطانيا بفضل النائب العمالي جيريمي كوربين، هذا الأخير فاز يوم 12 سبتمبر الجاري بمنصب الأمين العام لحزب العمال البريطاني خلفا لميلبناد الذي استقال بعد الهزيمة التاريخية للحزب في الانتخابات التشريعية التي جرت خلال مايو الماضي.
ويعتبر فوز كوربين منعطفا هاما في الحياة السياسية في بريطانيا وأوروبا، لسببين، الأول وهو أهمية هذا الحزب في الحياة البريطيانية والأوروبية، فهو من أكبر الأحزاب الأوروبية وأعرقها. والسبب الثاني هو أطروحته اليسارية التي تصل الى مستوى الراديكالية.
وينعكس هذا الفوز سلبا مصالح المغرب في ملف الصحراء. ويعتبر جيريمي كورين هذا النائب العمالي الذي يمثل الجناح اليساري لحزب العمال رئيس لجنة التضامن مع البوليساريو في البرلمان البريطاني، وعمل على استحضار هذا النزاع في البرلمان في مناسبات عديدة بشكل لم يسبق في الماضي.
وكان جيريمي كوربين قد زار الصحراء خلال فبراير 2014 على رأس وفد برلماني بريطاني ووقعت لم توترات مع السلطات المغربية، حيث اتهمه بيان لوزارة الداخلية المغربية يوم 16 فبراير 2014 بتحريض الصحراويين على العنف والتظاهر.
وبعد مرور أسبوع على هذا الحادث، نظم كوربين في البرلمان البريطاني ندوة حول الصحراء. وكان من الأسباب الرئيسية التي جعلت وزارة الخارجية في لندن تستقبل في مارس من السنة نفسها وفدا للبوليساريو للتباحث حول جوانب هذا النزاع من حقوق الإنسان وتقرير المصير وإشكالية استغلال الثروات الطبيعية في الصحراء.
قلق مغربي وترحيب للبوليساريو
ويراقب المغرب باهتمام وقلق وصول جيريمي كوربين الى الأمانة العامة، فالأمر يتعلق بأمين عام لحزب له ثقل كبير للغاية في السياسة البريطانية والأوروبية والدولية. ويتزامن هذا القلق مع فشل دبلوماسية الرباط وسفارتها في لندن في التخفيف من حدة المواقف السلبية لبريطانيا تجاه المغرب في الصحراء خاصة وسط الاتحاد الأوروبي.
في المقابل، رحب البوليساريو باختيار كوربين أمينا عاما لحزب العمال. وتصفق وسائل الاعلام المدافعة عن تقرير المصير بهذا الاختيار، بينما وجه زعيم البوليساريو محمد عبد العزيز رسالة الى كوربين يهنئه بالفوز ويعتبر فوزه دعما لموقف تقرير المصير.
تطورات أوروبية لا تصب في صالح المغرب
ويعتبر برزو نجم كوربين من التطورات السياسية التي تشهدها القارة الأوروبية، وهي تطورات لا تصب في صالح المغرب عموما بسبب ظهور قوى سياسية تميل الى جبهة البوليساريو في نزاع الصحراء. ومن أبرز الأمثلة، نجاح حزب بوديموس في اسبانيا وتحوله الى ما بين القوة السياسية الثانية والثالثة يقلق المغرب بسبب مواقف هذا الحزب المنخرطة في أطروحات البوليساريو. وما حدث في اسبانيا، يحدث في إيطاليا واليونان ودول شمال أوروبا.
والمثير أن دعم البوليساريو لم يعد يقتصر على نواب أو زعماء سياسيين من الصف الثاني بل على مستوى الأمناء العامين. فالأمين العام لحزب بوديموس، بابلو إغلسياس ينبنى موقف البوليساريو بشكل ملفت مثله مثل كوربين في بريطانيا والأمين العام للحزب الاشتراكي في السويد ودول أخرى.