الأزمة وارتفاع التكاليف
بسبب الأزمة الاقتصادية انخفضت معدلات الطلاق في إسبانيا، إجراءاتها باتت مكلفة للطرفين، وما في الوسع لايقدر على أن يفي بالالتزامات المادية للانفصال. الأزمة أرغمت غير المتحابين على التعايش إلى أن يجد لله لهذا الضيق مخرجا. تجد الكنيسة في هذه الأزمة حليفا،مادام كلاهما: الأزمة والكنيسة، يحرمان الطلاق، ولا تنازلَ ولا حدَّ أوسطَ ولا حتى “أبغضَ الحلال”.
قد يكون حال الراغبين في الطلاق دون بلوغِهِ بسبب الأزمة وضيق الحال ، ومحنة تحملهم لمن لا طاقة لهم بهم، أهون بكثير،من محنة من قلت حيلته في رد قضاء أو قدر بسبب عجزه عن اداء تكلفته، فلا هو يستطيع دفع تكاليفها، ولا هو قادر على ردها. تلك هي حال من كان قدره الموت في خضم هذه الأزمة الاقتصادية في إسبانيا، إذ ليس في وُكْدِهِ دفع تكاليفها، فيظل كالمعلقة لا هو قادر على رد الموت، فيحيا حتى يخرج من ضيقه ثم يفنى، ولا هو بأهل يُسْرٍ فيدفَعَ ويَعبُرَبموتِه كريما. “لكل أمة أجل، وإذ جاء أجلهم فلا يستخرون ساعة ولا يستقدمون”.
ثمة من لا يجد ما يواري به سوءة أخيه””.
ثمة من الناس من لا يجدون ما يوارون به سوءة إخوتهم، تكاليف الدفن وطقوسُه ،ومراسيمُه باتت مكلفة، فجشعُ الرأسماليةٍ وجدَ سبيلَهُ حتى إلى معارجِ الموتِ، مادامت تلك “سوق ثابتة وواعدة “، وزُبناؤها كلُّ العالمينَ.
الموتُ تكلفُ المفجوعين في فَقيدهمُ بإسبانيا، ثلاثةَ آلافٍ وسبع مائة يورو(3700) في المتوسط. الشركات الإسبانية المكلفة بالدفن ، لا تتوقف عن إبداع ما تعتبره “دفنا كريما لميت” فتضيف طقوسا أخرى، ويترتب عن هذه الزيادةِ زيادةٌ في الأسعارِ، ويصبحُ معه “للدفن الكريم” قيمةٌ أبهضُ.
تقترح شركات الدفن عروضا موازية على أهلِ الفقيدِ، وتصبحُ تلك المقترحاتُ، فرضَ عيْنٍ، مادام الناسُ يعتقدون في أن الإيفاءَ بهذه المقترحاتِ والألتزامَ بها، هو “إكرامٌ لميتِهِم وعزاءٌ في فقدِهِ وإحسانٌ إليه”. ثم الناس تتنافس أحيانا ليس فيمن يعقد زفافا باهرا بل حتى من يقيمُ جنازةً فاخرةً. تلك عقيدةٌ تجد فيها شركاتُ دفنِ الموتى، حقولا تختمرُ فيها منابتُ أرباحِهم.
شركات ترسم سقف “إكرام الميت”
في السنوات العشرالأخيرة، بدأت شركاتُ الدفنِ وترتيبِ الجنازةِ في إسبانيا تُلزم ” زُبنَاءَها” بدفع مائتي( 200) يور تكلفة للفرقة الموسيقية التي تعزف مقطوعات مع مراسيم العزاء. ومقابلَ مائة وخمسين يورو ( 150يور) يدفعها ذوو الفقيدِ تستطيعُ الشركة عينُها أن تُعِدَّ “تذكاراً رقميا” للمتوفي على شبكاتِ التواصلِ الاجتماعي، يشملُ كل ما كان يُحبُّه، وجوانِبُ من شخصيتِه. وقد ترتفعُ التكلفةُ المتحصلةُ من كل تكاليفِ الدفنِ وما يصاحبُها على أهل الراحلِ، إلى سقْفٍ أَعلى، إذا خالجَت ذوي الفقيدِ رغبةٌ في الحصولِ على خاتم من الفضةِ أو الذهبِ به بصمةُ احدِ اصابِع المتوفى، أو اذا أرادت الحصول على خاتم من الألماس يحتوي على جزء من الكربون الموجود في الياف شعره، فيَلزَمُهم أنذاك دفعُ ما يقارب ألفا وثلاثَ مائَةِ يورو 1300إضافية.
ولمن يُقدِّر “إكرامَ الميتِ ودفنه “، بمقدار توصيات وعروض شركات الدفن فإنه سيكون مضطرا إلى دفع مائةٍ وستين يور (160 اورو) إضافية لتغطية مصاريفِ إعداد وطباعةِ سيرةٍ ذاتيةٍ للمتوفى تتناولُ مشوارَ حياتِهِ والوظائِف التي شغَلَها .
وقد يجد من يريد إلباس “إكرام الميت دفنا” بمقتضياتِ الحداثةِ والعلمِ، حيث يمكنه القيام بحفظ أليافٍ أو الحِمضِ النووي الخاص بالمتوفى، وكافة المعلومات الجينية المتعلقة به لاستخدامِها من قبل الأسرة، فإنه لن يكلف ذلك إلا مائتين واربعين يورو240 كذلك.
الضريبة الحكومية ترفع تكلفة الموت
وفوق ذلك كله، سيجدُ الميتُون أنْفُسَهُم قد أَلزموا بموتِهم أقرباءَهم، مع السياسيةِ الضربيةِ الجديدةِ للحكومةِ الإسبانيةِ، بدفع ما بين خمسِ مائة ٍ 500 و سبعِ مائةٍ يورو700 ضريبةً على القيمةِ المضافة.
تكاليفُ الدفنِ ومراسيمُهُ في إسبانيا باهضةٌ، من لم يَقْوُوا على دَفعِها فلْيؤَجِّلوا مَوْتَهُم إن استطاعوا، وإلا فَلْيُهاجِروا ليَمُوتوا كُرمَاءَ، بعدما كانوا يهاجرون ليَحْيَون كُرمَاءَ. تعدَّدَت الأسبابُ والهجرةُ واحدةٌ.