توفيق رباحي: السعودية والإساءات المستمرة للحلفاء والأصدقاء ومنهم المغرب

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان

مثيرة للحيرة هذه الطريقة التي باتت السعودية «الجديدة» تُعامل بها جيرانها وأصدقاءها وحلفاءها. لماذا؟ ما الغرض منها؟ مَن يوحي بها؟ مَن يمنع وقفها؟ أسئلة كثيرة معلقة في مملكة ضلت طريق الدبلوماسية المحمودة إلى المناكفات والمشاكسات مع مَن يُفترض فيها كسب ودّهم، بل وحمايتهم والدفاع عنهم باعتبارها «الشقيقة الكبرى».
من قطر إلى مصر فالأردن والمغرب والسودان، كمٌّ هائل من الازدراء والاستصغار تبديه السعودية من خلال خطاب وتصرفات مسؤولين من الدرجة الثانية والثالثة. تفوَّق على هؤلاء تركي آل الشيخ رئيس هيئة الرياضة في المملكة، وسعود القحطاني المستشار في الديوان الملكي برتبة وزير.
لا يمكن تصديق للحظة واحدة أن هؤلاء الناس يتصرفون بحرية ولا يُلزمون الدولة في شيء. السعودية معروفة بأنها سجن كبير لحرية الرأي والتعبير والمعتقد. ومعروفة بخنق أنفاس مواطنيها ومسؤوليها، وهؤلاء لم نسمع لهم فتوحات في الدفاع عن الحريات أيًّا كان نوعها.
الملاحظ أن التنمر السعودي يطال الجيران والحلفاء العرب فقط. لم يمتد التطاول الذي تعرض له المغرب أو الأردن أو مصر ليستهدف إيران أو باكستان أو الهند أو كندا أو بريطانيا.
قطر تتعرض لحصار سعودي إماراتي يذكّرك بالجاهلية الأولى.
الأردن واجه حصاراً صامتا منذ نحو سنتين، حتى انفجر الشارع، ونجا من كارثة كانت ستودي به وتمتد إلى السعودية في الطريق. لم يشفع للأردن دعمه غير المشروط للسياسات السعودية في المنطقة، يكفي أنه أبدى بعض الرفض لصفقة تحاك على القضية الفلسطينية، لكي يعاقَب بشدة تبدو وكأنها نابعة من مخزون حقد.
مصر المستسلمة إلى حد التبعية إلى السعودية تعرضت لكمٍّ من الإهانات على يد الأخيرة. عنوانها رياضة، لكن جوهرها سياسة وأداتها تركي آل الشيخ.
المغرب تعرض لطعنة سعودية لم تخطر بباله في قرعة تنظيم كأس العالم 2026، فوجد دعما من افريقيا وحتى من خصوم لم يطمع في تصويتهم لصالحه (الجزائر مثلا)، وقفوا معه موقفا رجوليا كانت المملكة أولى بإبدائه.
لو تصرفت المملكة بحكمة أكبر مع الأردن الذي لم يفوّت فرصة واحدة للوقوف معها، لضمنته في صفها للمئة سنة المقبلة، ولَمَا اضطرت إلى عقد «قمة» على جناح السرعة فبدأت مضطربة وانتهت بلا جدوى سوى من وعود بفتات لا شيء يضمن أن أصحابها سيوفون بها.
لكنه قصر النظر والثقة العمياء في النفس وراء التصرفات المسيئة لحليف ظنَّ مَن في المملكة أنه بلا كرامة.
ولو انسحب تركي آل الشيخ من مسرح الرياضة في مصر بهدوء وكرامة، وبلا استفزاز لملايين المصريين لم يبقَ لهم في هذه الدنيا غير الكرة، كان المصريون سيكتبون فيه الأشعار. لكن، مرة أخرى، ضيق الأفق وقصر النظر والغرور، أمراض نفسية غلبت على تصرفاته، فخسر وخسرت معه السعودية. يقال اليوم إن شعبية السعودية في الشارع المصري أسوأ مما نزلت إليه أيام قضية جزيرتي تيران وصنافير.
ولو كلّف العاهل السعودي، أو وليّ عهده، نفسه عناء إرسال مبعوث خاص يقابل ملك المغرب أو من ينوب عنه، ثم يعتذر له بمروءة وهدوء عن صعوبة دعم الملف المغربي في مونديال 2026، بسبب التزام سابق مع الولايات المتحدة، وخرج ذلك إلى وسائل الإعلام الرسمية، لنجت العلاقات المغربية السعودية من جرح أصابها سيظل غائرا لعقود طويلة. ولو التزم تركي آل الشيخ الصمت بعد أن خذل حكام بلاده حليفا يملكون في أراضيه من القصور والمزارع قدر ما يملكون في بلادهم، لنال احترام المغاربة ونجا من كل الشتائم التي لاحقته في روسيا وكادت تغطي على الأناشيد الوطنية للفرق.
يختصر هذا الرجل السياسة السعودية الجديدة. ويتصرف مدعوما بقناعات داخلية توصلت إليها الأسرة الحاكمة في السعودية وكلفت أذرعها الإعلامية والدعائية بتسويقها. لذا لا يتورع عن إضافة الملح على الجرح، وإلا ما الداعي لقوله إن مصلحة السعودية فوق كل اعتبار في تبرير الانحياز لأمريكا على حساب المغرب؟
لم يُطلب أحد من السعودية تقديم مصالح غيرها، ولو كانوا حلفاء، على مصلحتها. الخلل كله في لباقة الأسلوب و«الذوق» الذي تبدع السعودية الجديدة في فقدانه.
خطأ السعودية أنها تتصرف مع الحلفاء والأصدقاء «الصغار» وكأنهم بحاجة إليها أكثر مما هي بحاجة إليهم. وتُعاملهم وهي مقتنعة بأنهم «بلا ظهر» يحميهم، وبأنهم، مهما حدث، سيعودون إليها صاغرين.. لأنهم فقراء وضعفاء.
العبرة من كل هذا أن السعودية لا تبدو أنها تعلمت من حصار قطر. أو ربما ارتباكها في حصار قطر قادها إلى مزيد من الارتباك مع الآخرين لأنها باتت تربط مواقفها تجاه الآخرين بمواقفهم من حصارها لقطر.

Sign In

Reset Your Password