أعلنت الجزائر مؤخرا تخصيص مليار دولار لتمويل مشاريع تنموية في الدول الإفريقية، في خطوة جديدة بعد قرار عام 2013، بمسح ديون 14 دولة بالقارة، ما دفع إلى طرح تساؤلات عن دلالات هذا المسعى.
القرار أعلنه رئيس الوزراء أيمن بن عبد الرحمن، خلال القمة الـ 36 لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي التي عقدت يومي 18 و19 فبراير/ شباط الماضي بأديس أبابا.
ونقل بن عبد الرحمن عن الرئيس عبد المجيد تبون القول: “قررت الجزائر ضخ مليار دولار لصالح الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي، من أجل التضامن والتنمية لتمويل مشاريع تنموية في الدول الإفريقية، لاسيما منها تلك التي يكتسي طابعا اندماجيا أو تلك التي من شأنها المساهمة في دفع عجلة التنمية في القارة”.
وأوضح أن هذه الخطوة تأتي “قناعة من الجزائر بارتباط الأمن والاستقرار في إفريقيا بالتنمية”.
ومنذ إعلان القرار ظهرت تساؤلات عن الدول المعنية بهذه المشاريع وكذا معايير اختيارها.
** البداية من دولة مالي
ولاحقا صرح رئيس الوزراء الجزائري للتلفزيون الرسمي، أن هذه المشاريع موجهة “لمساعدة الدول الإفريقية للولوج في مسار تنموي ناجع، يسمح للشعوب الإفريقية بالاستقرار على مستوى بلدانها” في إشارة إلى ظاهرة الهجرة.
وأكد أن “الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي ستباشر خلال الأيام القادمة مهامها لتكريس هذه المشاريع”.
ويوم 24 فبراير، كشف الرئيس الجزائري في مقابلة مع وسائل إعلام محلية، بعض ملامح هذه المساعدات المالية بالقول إنها “ستوجه إلى تمويل مشاريع تنموية في عدد من الدول الإفريقية”.
وأوضح أنه تم “الالتزام تجاه الأشقاء في مالي (الجارة الجنوبية) لدعم بعض المشاريع الاقتصادية، لا سيما في شمال البلاد، على غرار (مدن) كيدال وغاو لمساعدتهم على بناء بعض المنشآت التربوية والصحية وكذا مشاريع إيصال المياه للسكان وغيرها”.
ووكالة التعاون الدولي الجزائرية أسسها تبون عام 2020، وورد في بيان مهامها “المشاركة في إعداد وتنفيذ السياسة الوطنية للتعاون الدولي في المجال الاقتصادي والاجتماعي والإنساني والثقافي والديني والتربوي والعلمي والتقني”.
** مسح ديون 14 دولة إفريقية
وعام 2013 أعلنت الحكومة الجزائرية إلغاء ديون بقيمة 902 مليون دولار على 14 دولة الأقل نموا، بمناسبة الذكرى الخمسين لإنشاء منظمة الوحدة الإفريقية في 1963 التي تحولت عام 1999 إلى الاتحاد الإفريقي.
وأشار بيان لوزارة الخارجية الجزائرية، آنذاك، أن القرار يشمل كلا من بنين وبوركينا فاسو والكونغو وإثيوبيا وغينيا وغينيا بيساو وموريتانيا ومالي وموزمبيق والنيجر وساو تومي وبرانسيبي والسنغال وسيشل وتنزانيا.
وتعتبر جمهورية موريتانيا، أكبر مستفيد من قرار الحكومة الجزائرية، حيث استفادت من إسقاط ديون بقيمة 250 مليون دولار.
ولاحقا، نقلت وكالة الأنباء الجزائرية أن “هناك دولا أخرى لديها ديون مستحقة لدى الجزائر، التي لم تمسحها، بل عملت على تحديد رزنامة تسديد جديدة في إطار اتفاقيات ثنائية”.
** القارة ومشاكلها وحلولها للأفارقة
في هذا السياق يرى الخبير والمحلل السياسي توفيق بوقاعدة، أن هذه الخطوة تأتي في إطار سياسات تنتهجها الجزائر ليس في هذه الفترة فقط وإنما منذ عقود، من خلال دعم الأفارقة سواء بمسح ديون بعض الدول أو بمنح قروض وبناء مشاريع وتخصيص مبالغ لدعم البنى التحتية في القارة السمراء.
وأوضح بوقاعدة الذي يشغل أستاذ علوم سياسية بجامعة الجزائر الحكومية، في حديث للأناضول، أن هذا التوجه نابع أيضا من قراءة الجزائر لطبيعة المشاكل التي تعيشها القارة، الناتجة بالأساس عن غياب التنمية.
ولفت إلى أن “الجزائر تدرك أن غياب التنمية هو ما تسعى إليه القوى الكبرى والإقليمية، وتعتبره مدخلا لاختراق القارة بظاهر اقتصادي وباطن استخباراتي أمني”.
وعلق بالقول: “لذلك الجزائر تسعى أن تبقى القارة وحلول إفريقيا ومشاكلها داخل المنظومة الإقليمية للقارة”.
ويرى بوقاعدة أن “مثل هكذا دعم سيقلص من حالة الاختراق التي تقوم بها إسرائيل، خصوصا أنه تزامن مع طرد دبلوماسيين من قاعة المؤتمرات بالقمة الإفريقية مؤخرا بأديس أبابا”.
وأشار إلى أن هذا المبلغ هو أيضا عربون حسن نية بأن الجزائر ستقف مع الأفارقة، وأنها ستعمل على دعم مشاريع التنمية وتوطين مختلف الحلول السياسية لمختلف الأزمات الأمنية.
وختم بالقول: “هذا القرار لا يمكن اعتباره توجيها للبوصلة نحو إفريقيا، بقدر ما هو كذلك تنويع لاتجاهات السياسة الخارجية الجزائرية، التي لها أبعادها سواء في الجوار الإقليمي أو مناطق نفوذها”.
تمويل الجزائر لمشاريع في إفريقيا.. خطوة إنسانية أم اقتصادية؟
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون