بدأ ملف حقوق الإنسان يتحول الى مصدر توتر بين المغرب وشركائه في الغرب، وآخر حلقة هو التقرير الأمريكي الشديد اللهجة حول وضعية حقوق الإنسان في المغرب، والذي تضمن فقرات تثير قلق الرباط حول موقف واشنطن من نزاع الصحراء علاوة على موقف مبهم لواشنطن مؤخرا.
وصدر تقرير وزارة الخارجية الأمريكية يوم الاثنين من الأسبوع الجاري، وحدث في اليوم نفسه الذي حل فيه وزير خارجية الرباط ناصر بوريطة في واشنطن للتباحث مع نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن حول العلاقات الثنائية والقضايا الدولية. وتضمن التقرير انتقادات قوية بشأن خروقات حقوق الإنسان مقارنة مع التقارير التي صدرت خلال السنوات الأخيرة حول تقييم وضع حقوق الإنسان والفساد في المغرب.
وعلاقة بالفساد المالي والسياسي في البلاد، يبرز التقرير أن القانون المغربي ينص على عقوبات جنائية للفساد من قبل المسؤولين، لكن الحكومة بشكل عام لم تنفذ القانون بشكل فعال، حيث وردت تقارير متكررة عن الفساد الحكومي. التقرير يؤكد أن المراقبين اعتبروا بشكل عام الفساد مشكلة مستمرة، مع عدم كفاية الضوابط والتوازنات الحكومية للحد من حدوثه، وذكرت وسائل الإعلام المحلية أن الفساد استمر في إعاقة تنمية البلاد. كما كشف الباروميتر العربي، أن 72 في المائة من المواطنين يعتقدون أن الفساد منتشر في مؤسسات الدولة ووكالاتها.
وعلاقة بالصحفيين، أكدت الخارجية الأمريكية أن الدستور المغربي ينص على ضمان حرية التعبير، غير أن المعطيات تكشف عن واقع آخر يتميز بملاحقة من يتطرق الى بعض المواضيع الشائكة مثل الملكية ثم عمليات اعتقال ومحاكمة الصحفيين والنشطاء الذين يعبرون عن آرائهم في شبكات التواصل الاجتماعي. وأشار التقرير الى أن السلطات عرضت بعض الصحافيين للمضايقة والترهيب، بما في ذلك محاولات تشويه سمعتهم من خلال الإشاعات المؤذية عن حياتهم الشخصية، وقد أفاد صحافيون أن الملاحقات القضائية الانتقائية كانت بمثابة آلية للتخويف. وتطرق التقرير الى عدد من أسماء الصحفيين المعتقلين مثل سليمان الريسوني وسياسيين مثل وزير حقوق الإنسان السابق محمد زيان.
وصدر التقرير في اليوم نفسه الذي زار فيه بوريطة واشنطن، وكان البيان الختامي للزيارة مثيرا حول الفقرة التي أشارت إلى الصحراء وهي كالتالي حرفيا “أكدا الوزيران دعمهما الكامل للمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ستافان دي ميستورا في الدفع نحو حل سياسي دائم يحفظ الكرامة لنزاع الصحراء الغربية. وأشار الوزير (بلينكن) إلى أن الولايات المتحدة تواصل اعتبار خطة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب جادة وذات مصداقية وواقعية، وهي مقاربة محتملة لتلبية تطلعات شعب الصحراء الغربية”.
ويتضح كيف تتفادى الإدارة الأمريكية الجديدة الإشارة الى سيادة المغرب على الصحراء التي كان قد اعترف بها الرئيس السابق دونالد ترامب، بل وعمدت هذه المرة الى وضع شرط حول الحكم الذاتي والتنصيص على شعب في الصحراء. وعكس المرات السابقة، لم يحتف الاعلام الرسمي كثيرا بزيارة بوريطة الى واشنطن بسبب هذه الإشارة وكذلك تقرير حقوق الإنسان حول المغرب.
وعكس ردود الفعل القوية التي صدرت عن الأحزاب السياسية وجمعيات والبرلمان المغربي ضد قرار البرلمان الأوروبي يوم 19 يناير الماضي الذي ندد بتراجع حقوق الإنسان في المغرب، التزمت الدولة الحذر. وعلق الناطق باسم الحكومة باتياس بأن مندوبية حقوق الإنسان ستتولى معالجة التقرير الأمريكي. وصدر التعليق من طرف مدير السجون في المغرب، صالح التامك وهو من أصول صحراوية وسفير سابق حيث نشر مقالا في عدد من المنابر المغربية الأربعاء من الأسبوع الجاري ينتقد فيه التقرير. وتولى التامك في مناسبات سابقة الرد على التقارير الغربية حول الصحراء وحقوق الإنسان.
وجاء في مقاله الموقع باسم مواطن مغربي أن “التقرير منحاز بشكل صارخ لصالح أعداء الوحدة الترابية للمملكة وأن الدبلوماسية الأمريكية كانت تتوخى فيما مضى الموضوعية والحياد في تقاريرها حول المملكة، غير أن تقريرها الأخير خيب آمال المملكة المغربية لما تضمنه من افتراءات ومغالطات”. ويضيف “التقرير يتناقض بطريقة صارخة مع ما أبدته الخارجية الأمريكية من آراء إيجابية طيلة السنوات الأخيرة، حيث تنكرت لموقفها المعتاد حيال المغرب، وأصرت على نشر تقرير جائر بالنظر لما تضمنه من مغالطات وافتراءات من شأنها المساس بمصالحه العليا”.
وحول النقطة الشائكة وهي الصحراء، يقول التقرير “أن الولايات المتحدة تراجعت بشكل غامض عن موقفها الإيجابي عقب إعلانها سيادة المغرب على صحرائه، حيث ذهبت وزارة الخارجية الأمريكية إلى حد اعتبار جبهة البوليساريو حركة تحرير، رغم علمها بأنشطتها الإرهابية”. ولا يعتبر التامك ناطقا باسم الحكومة ولكنه معبر عما يجول وسط صناع القرار في الرباط، وبالتالي يبقى رأيه هو انعكاس لقلق الرباط في هذا الشأن.
وتتفادى الدولة المغربية التعليق الرسمي على التقرير الأمريكي مثلما تفادت التعليق على قرار البرلمان الأوروبي إدراكا منها أن الرد سيزيد من توتر العلاقات مع هذه الهيئات. وبدأ يتضح كيف أن التقارير الحقوقية حول الخروقات أصبحت تعيق مساعي المغرب للدفاع عن موقفه في ملف الصحراء بحكم أن المغرب عليه أن يواكب مقترح الحكم الذاتي بانفراج حقيقي كبرهان على تطبيق هذه الصيغة مستقبلا.