لا ترى الإدارة المغربية بعين الارتياح التوجه الجديد للدبلوماسية الأمريكية في ملف نزاع الصحراء المغربية، حيث تركز واشنطن كثيرا على مساعي الأمم المتحدة وبدأت تهمش بشكل ضبابي مقترح الحكم الذاتي. وذلك استنادا إلى البيان الأمريكي الأخير حول مباحثات بين وزير خارجية واشنطن أنتوني بلينكن ونظيره المغربي ناصر بوريطة عكس البيانات السابقة.
ومنذ أيام، أجرى بلينكن اتصالا بناصر بوريطة لبحث عدد من الملفات وعلى رأسها تطوير العلاقات الثنائية ثم تبادل وجهات النظر في ملفات مثل عودة سوريا الى الجامعة العربية والحرب الروسية ضد أوكرانيا، إضافة إلى الملف الفلسطيني-الإسرائيلي على ضوء المواجهات المسلحة الأخيرة.
ويبقى الأساسي بالنسبة للعلاقات الثنائية هو ما جاء في البيان حول نزاع الصحراء، حيث ورد حرفيا في بيان الدبلوماسية الأمريكية المنشور في موقعها بالعربي والانجليزي ما يلي “وأكد الوزير بلينكن دعم الولايات المتحدة الكامل للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستافان دي ميستورا فيما يكثف عملية الأمم المتحدة بشأن الصحراء الغربية بغية التوصل إلى حل سياسي دائم وكريم لشعب الصحراء الغربية والمنطقة”.
ويشكل البيان سابقة خلال السنوات الأخيرة لأنه يعكس تصورا يعد غامضا بل يزداد غموضا مقارنة مع البيانات السابقة. في هذا الصدد، تجنب البيان الإشارة الى سيادة المغربية على الصحراء في تجاوز مبهم لموقف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي اعترف بهذه السيادة خلال ديسمبر 2020 كنتيجة لاتفاقيات أبراهام. في الوقت ذاته، يشدد على مساعي المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة دون تنصيص على الحكم الذاتي. وأخيرا، يشدد على الصحراويين كشعب. ويصرح مصدر عليم بالعلاقات الثنائية لجريدة القدس العربي “تدرك واشنطن مدى حساسية المغرب بشأن ملف الصحراء، ولهذا هناك تساءل على تجنب عمدا الإشارة الى الحكم الذاتي الذي يعتبره المغرب الحل الأمثل للنزاع”.
ويأتي هذا البيان الذي تجنب الإشارة الى الحكم الذاتي ليرفع من توجس الإدارة المغربية تجاه مواقف واشنطن الأخيرة. ومن باب المقارنة، كان بيان زيارة وزير خارجية المغرب لواشنطن يوم 20 مارس/آذار الماضي قد تضمن إشارة الى الحكم الذاتي، وجاء في البيبان حرفيا حسب الموقع الرقمي للدبلوماسية الأمريكية ما يلي: “وأكد المجتمعان على دعمهما الكامل لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ستافان دي ميستورا الرامية إلى تعزيز التوصل إلى حل سياسي دائم وكريم لنزاع الصحراء الغربية. وأشار الوزير بلينكن إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تعتبر خطة الحكم الذاتي التي تقدمت بها المغرب مقاربة جدية وموثوقة وواقعية وممكنة لتلبية تطلعات شعب الصحراء الغربية”.
وكانت أسبوعية الأيام المغربية قد خصصت عددها خلال بداية شهر مايو الجاري الى ملف الصحراء بعنوان عريض “حقيقة غضب المملكة على خذلان الولايات المتحدة الأمريكية”. واستشهدت بتصريح لبعض المختصين المغاربة في العلاقات الدولية مثل عبد الصمد بلكبير الذي يؤكد أن “المجمع الصناعي العسكري الأمريكي يعمل على إبقاء لغم الصحراء قائما”. ومن جانبه، يرى محمد الباحث الأكاديمي سعيد الصديقي أن موقف الولايات المتحدة رهين بقوة اللوبيات المناهضة أو المساندة للمغرب. كما تناولت الأسبوعية موقف دبلوماسي سابق يدير الآن مصلحة السجون وكان من ضمن ممثلي المغرب في تحديد هوية المشاركين في استفتاء تقرير المصير، محمد التامك الذي حذّر من توجه واشنطن غير المطمئن في ملف الصحراء.
وكان الاعتقاد السائد هو توجه واشنطن لإبداء مرونة أكبر تجاه المغرب في ظل توجه عدد من الدول العربية الى المحور الصيني-الروسي كنتيجة للتطورات الجيوسياسية التي يشهدها العالم. كما تعاظم هذا الاعتقاد بعد زيارة قائد القوات المشتركة الأمريكية الجنرال مايك ميلي الى المغرب بداية مارس الماضي، ثم المصادقة المؤقتة على صفقة هيمارس للجيش المغربي. غير أن بيان دبلوماسية واشنطن الأخير بشأن الصيغة التي ورد فيها موضوع الصحراء يرفع من ضبابية واشنطن تجاه هذا الملف.
بيان 14 مايو 2023
https://www.state.gov/translations/arabic/اتصال-الوزير-بلينكن-بنظيره-المغربي-بو-3/
بيان 20 مارس 2023