ارتفعت خلال السنة الجارية عمليات تسلل المهاجرين الأفارقة عنوة للأسوار السلكية الفاصلة بين الأراضي المغربية وسبتة ومليلية المحتلتين. وهذا الارتفاع يعتبر منعطفا في تاريخ الهجرة بتفضيل المهاجرين التسلل الى المدينتين بدل الرهان على قوارب الموت. وقد يتسبب هذا المعطى الجديد في توتر سياسي بين مدريد والرباط بحكم أن الأمر يتعلق بمنطقة محتلة لا يستطيع المغرب تقديم مزيد من التنازلات السيادية.
وتسلل يوم الثلاثاء من الأسبوع الجاري 500 مهاجرا دفعة واحدة، وهو أكبر عدد حتى الآن منذ بداية هذا النوع من الهجرة. وفي المقابل تراجعت بشكل كبير قوارب الهجرة، وهي الأداة الكلاسيكية التاريخية للمهاجرين للوصول الى اسبانيا انطلاقا من شواطئ المغرب. والمثير أن القوارب تصل الآن فقط الى سبتة أو مليلية قادمة من الشواطئ المغربية.
ويؤكد المهاجرون سهولة الطريق الجديد للهجرة رغم أنه يتطلب قضاء شهور من الانتظار في المناطق المغربية المحاذية لسبتة ومليلية وتحمل العيش الصعب في ظروف غير إنسانية أحسن من الرهان على قوارب الموت التي تكلف المال والمجازفة بالحياة.
ووعت اسبانيا بهذه الظاهرة منذ أواسط التسعينات، ولهذا فقد تفاوضت مع المغرب ما بين 1995 الى 1998 لبناء الأسوار السلكية الفاصلة بين الأراضي المغربية والمدينتين المحتلتين، واتخذ الملك الحسن الثاني القرار شخصيا بالمصادقة عليه. وكان شرط المغرب الوحيد وقتها هو عدم قبول المهاجرين الذين ينجحون في التسلسل الى المدينتين.
ورفضت حكومة عبد اللطيف الفيلالي ولاحقا حكومة عبد الرحمان اليوسفي معالجة الملف في البرلمان. ونددت أحزاب وعلى رأسها حزب الاستقلال بهذه الأسوار واعتبرتها مسا بسيادة المغرب. واستغربت الصحافة المغربية وقتها القرار الرسمي.
وأمام الحراسة المشددة في مضيق جبل طارق ورهان الاتحاد الأوروبي على دوريات مشتركة بل وتخصيص طائرات للمراقبة البحرية، بدأ يراهن المهاجرون الأفارقة على التسلل الى سبتة ومليلية. وكان المنعطف الأول ما بين غشت ونوفمبر 2005، حيث قام الآلاف من المهاجرين باقتحام الأسوار، ولقي قرابة 20 شخصا حتفهم، وانتهى الأمر بندوة دولية في المغرب بين الدول الإفريقية والاتحاد الأوروبي لوقف هذه الظاهرة.
في ذلك الوقت، انتزعت اسبانيا تنازلا هاما من المغرب، حيث التزمت الدولة المغربية بنشر جنود يحرسون الحدود المحتلة، وحدث هذا لأول مرة في تاريخ البلدين.
وطيلة السنوات الماضية، وعمليات التسلل تحدث بين الحين والآخر، ولكنها لم تكن تتجاوز بضعة مهاجرين أو عشرات، وستصبح منعطفا يوم 6 فبراير الماضي عندما لقي 15 مهاجرا حتفهم في شاطئ سبتة ويوم 18 مارس الجاري عندما نجح 500 مهاجرا في التسلل الى مليلية، في أكبر عملية من نوعها. وتفيد الأرقام بتسلل أكثر من 1300 فقط منذ بداية يناير حتى 18 مارس الجاري، أكثر بكثير من السنة الماضية كلها.
وتحاول حكومة مدريد إقناع الرباط بقبول المهاجرين الأفارقة الذين يتسللون الى المدينتين. وتضغط مدريد على المغرب بشكل كبير، وتكشف جريدة الباييس أن أمنيين مغاربة قبلوا في فترات معينة بالمهاجرين الأفارقة الذين نجحوا في التسلل، وأملحت الى حدوث ذلك بمقابل مادي.
ومن الناحية السيادية، يجد المغرب نفسه في موقف حرج، فتلبية مطالب اسبانيا في المدينتين تجعله يتنازل عن سيادته، وقد قدم تنازلات كثيرة، آخرها أنه حذف من قاموسه السياسي، في الخطب الملكية والحكومية، المطالبة بالمدينتين مؤقتا لربح اسبانيا في دعمه في الصحراء. ويبقى قبول استقبال المهاجرين الذين يتسللون الى المدينتين تنازلا آخر، فهل سيقدم عليه؟