يعتبر التوتر المغربي-الفرنسي نتيجة ملفات شائكة تراكمت في صمت ويمكن تلخيصها في اثنين، الأول وهو قرار القضاء الفرنسي ملاحقة مدير المخابرات المدنية المغربية عبد اللطيف الحموشي، والملف الثاني وهو الأهم الميل السريع لباريس الى الجزائر على حساب التوازن مع المغرب. ويعتبر مدير المخابرات الخارجية الفرنسية بيرنارد باجوليت، صاحب التأثير القوي على الرئيس فرانسوا هولند، المهندس الحقيقي لهذا التطور.
وتوترت العلاقات بين المغرب وفرنسا يوم 20 فبراير الماضي عندما اقتحمت شرطية فرنسية مقر السفير المغربي في باريس بهدف تسليم مدير المخابرات عبد اللطيف الحموشي بلاغا تطالبه بالمثول أمام القضاء للتحقيق معه في فرضية تورط الجهاز الذي يشرف عليه في تعذيب مغاربة وبعضهم يحمل الجنسية الفرنسية.
وكان رد المغرب الرسمي قويا للغاية من عناوينه تجميد العلاقات القضائية بين البلدين وتجميد زيارات وزراء البلدين، لكن التنسيق الأمني يستمر حتى وقتنا الراهن بين مخابرات البلدين.
وإذا كان ملف الحموشي عرضيا فقط لأن مسؤولين أمنيين أكبر منه سبق وأن جرى تقديم دعاوي بهم مثل وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري ومدير الدرك الجنرال حسني ابن سليمان الراسخ في الآلة الأمنية للبلاد الى القضاء الإسباني، فالملف الحقيقي هو التغيير الحاصل في سياسة باريس المغاربية بالتنسيق مع الجزائر على حساب المغرب.
في هذا الصدد، أكدت مصادر سياسية رفيعة أوروبية لألف بوست أن التوتر المغربي-الفرنسي لا يمكن فصله عن الدور الكبير والمؤثر جدا لمدير المخابرات الخارجية بيرنارد باجوليت.
ويترأس بيرنارد باجوليت هذا الجهاز الأهم ضمن الأجهزة الاستخباراتية الفرنسية، وهناك مثال يجري تداوله في فرنسا “إذا ضعفت المخابرات الخارجية سقطت فرنسا”.
الرجل يتحدث اللغة العربية جيدا، ودارس للتاريخ والثفافة العربية، وعمل سكرتيرا أولا في سفارة فرنسا في الجزائر سنة 1978، حيث كان الرئيس الحالي فرانسوا هولند متمرنا عنده في السفارة، وعاد ليتولى منصب السفير الفرنسي في الجزائر ما بين 2006-2008 قبل أن يعينه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في مناصب دبلوماسية-استخباراتية حساسة. ويصبح مع الرئيس هولند مديرا للمخابرات الخارجية. وتؤكد وسائل إعلام فرنسية ومنها مجلة “لوبوان” مؤخرا التأثير الهائل لبيرنارد باجوليت على الرئيس هولند في السياسة الخارجية.
ويعتبر بيرنارد باجوليت رفقة آخرين من مهندسي وثيقة “ابن سينا” سنة 2007 التي تبناها عدد من الدبلوماسيين وقادة الجيش ورجال الأعمال وباحثين جامعيين حول ضرورة إعادة فرنسا لعلاقاتها في العالم العربي. ومالت في حالة المغرب العربي الى الجزائر على حساب المغرب.
وفي الوقت ذاته، يشتهر هذا الدبلوماسي-المدير في الأوساط الدبلوماسية والاستخباراتية الفرنسية بدفاعه عن مصالح الجزائر في باريس منطلقا بأحقية تحول فرنسا الى مخاطب رئيسي سياسيا واقتصاديا وأمنيا بدل قوى كبرى أخرى. ويؤكد، وفق ما يروج في باريس، أن تلبية مطالب الجزائر سيجعل فرنسا تتحول الى الحليف الرئيسي للجزائر.
ويعتبر من مهندسي زيارة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الى الجزائر سنة 2007 قبل المغرب، مما دفع الرباط وقتها الى إلغاء استقبال ساركوزي حتى قام بزيارة جديدة للرباط فقط. كما يعتبر مهندس زيارة فرانسوا هولند الى باريس خلال ديسمبر 2012 قبل زيارته للمغرب. وفي الوقت ذاته، يعتبر مهندس التقارب والتنسيق السياسي والعسكري الذي يتجلى في الزيارات المتعددة بين وزراء باريس والجزائر والتنسيق في ملفات مثل ليبيا ومالي وتونس.
بيرنارد باجوليت، مدير المخابرات الفرنسية الخارجية لم يبذل أي جهد دبلوماسي وأمني لامتصاص الأزمة المغربية-الفرنسية، وهذا مؤشر على استراتيجيتة تطوير العلاقات مع الجزائر على حساب المغرب.