بعد مصنع لصيانة المسيرات في أفق الإنتاج، المغرب يراهن على تركيا كشريك في الصناعة العسكرية

المسيرة التركية التي اقتناها الجيش المغربي

أنشأت شركة ”بايكار“ التركية المصنعة للطائرات بدون طيار (الدرون)  شركة تابعة لها في المغرب لإنشاء مركز صيانة لهذا النوع من المسيرات التي اشترتها الرباط.  وهذه المبادرة الصناعية تبرز ارتقاء التعاون بين المغرب وتركيا الذي أضحى استراتيجيا وبدأ يغطي على التعاون المغربي-الإسرائيلي في مجال التصنيع العسكري.

شراكة ثنائية

وتناولت عدد من وسائل الإعلام التركية والمغربية خبر فتح شركة “بايكار” فرعا لها في المغرب، وهي شركة “أطلس دفاع” المسجلة يوم 5 ديسمبر الماضي في العاصمة الرباط: ويعتبر المغرب زبونا رئيسياً لشركة بايكار حيث اشترى 13 من طائرات بيرقدار TB2 بدون طيار في أبريل 2021، بقيمة 70 مليون دولار تقريباً، شمل العقد أيضاً أربع محطات أرضية، ونظام محاكاة للتكوين، وبنية تحتية رقمية للتتبع، ومركز عمليات الطائرات بدون طيار في القواعد الجوية المغربية. واقتنى لاحقا مسيرات من النوع نفسه، لكن لا يتم الإعلان عن العدد الحقيقي، ويبقى المغرب من ضمن الزبناء الرئيسيين لهذه المسيرة، وحصل خلال الأسابيع الأخيرة على طائرات بيرقدار أكينجي بدون طيار، وهي منصة أكثر تقدمًا ذات حمولة أعلى وقدرات حربية معززة للمهام، حيث تعادل قدرتها الحربية الطائرات المقاتلة المتوسطة مثل إف 5. وسيتوفر المغرب على هذه الطائرة المتطورة على سرب كامل مع منتصف الصيف المقبل. وقد بدأت عناصر من القوات الجوية  المغربية تتلقى تدريبات دورية في قواعد الجيش التركي لتشغيل هذه المسيرات، وذلك منذ سبتمبر 2021. وابتداء من هذا التاريخ، أبدى الجيش المغربي اهتماما كبيرا ومتزايدًا بالإنتاج الحربي التركي.

وتبرز عدد من وسائل الإعلام لاسيما في المغرب أن الشركة التركية ستقوم بإنتاج المسيرات في المغرب، لكن المعطيات الأكيدة التي حصلت عليها جريدة القدس العربي تفيد بأن الأمر يتعلق في المرحلة الأولى بمركز لصيانة المسيرات سواء التي يمتلكها الجيش المغربي أو جيوش دول إفريقيا الغربية. وهذه الشركة  هي الثالثة من نوعها للشركة التركية في الخارج، إذ أنشأت واحدة في أوكرانيا لإنتاج حوالي 120 طائرة مسيرة في السنة، وأنشأت مصنعا في العربية السعودية لتجميع قطع الغيار وتركيب الطائرات المسيرة، بينما الشركة المتواجدة في المغرب ستقوم حاليا بالصيانة فقط لأن القاعدة المغربية أصغر بكثير من نظيرتها السعودية والأوكرانية.

 

الرهان المغربي

بدأت تركيا والمغرب يطوران علاقات عسكرية ملحوظة خلال السنوات الأخيرة، ويسعى كل بلد الى تحقيق بعض الأهداف الاستراتيجية من وراء هذه الشراكة التي يبدو أنها متقدمة على العلاقات الاقتصادية والسياسية، إذ أن السائد هو تنسيق تركيا مع الجزائر أكثر في القضايا السياسية ومنها الإفريقية وليس مع المغرب.

وبدأ رهان المغرب على السلاح التركي منذ سنة 2020 نتيجة عوامل متعددة، الأول وهو تراجع الإدارة الأمريكية سنة 2020 عن بيعه مسيرات متطورة من نوع “MQ-9B”، حيث كان قد صادق عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الأولى، غير أن البنتاغون ألغاها في ولاية الديمقراطي جو بايدن. وجاء الإلغاء نتيجة ضغوطات من اسبانيا التي لا تحبذ امتلاك المغرب أسلحة نوعية. وبدوره، لم يكن البنتاغون متحمسا لتمرير طائرات متطورة الى المغرب رغم أنه شريك أساسي في العالم العربي وخاصة البحر الأبيض المتوسط. وكانت الصفقة تتجاوز 240 مليون دولار. وتعتبر طائرات بيرقدار هي المرحلة الأولى من التعامل الفعلي، وتليا صفقات أخرى.

ويتجلى العامل الآخر في أن المغرب بدأ يجد في السلاح التركي الخيار الأنسب بسعره المنخفض وكذلك فعاليته، حيث بدأت المسيرات التركية تحتل مكانة مرموقة في الصناعة العسكرية الدولية، ويفكر بالانتقال إلى شراء سفن وطائرات مروحية تركية. ولا تفرض تركيا شروطا على استعمال هذه الأسلحة، عكس الشروط التي ترافق الأسلحة الأميركية التي يحصل عليها المغرب، وتكون شروطا مشددة في وقت اندلاع الأزمات.

ولعل أهم عامل، هو أن المغرب بدأ يجد في تركيا الشريك الصناعي العسكري الذي يبحث عنه، لأن المغرب يريد إقامة صناعة عسكرية محلية، وأصدر قوانين في هذا الصدد بما فيها الشراكة المباشرة مع الجيش. وستنتقل شركة أطلس للدفاع خلال سنتين الى تركيب مسيرات في الرباط ثم إنتاجها مباشرة. وبدأ يستقبل مختلف ممثلي شركات صناعة السلاح التركي ومنها وفد عن أسيلسان منذ أسبوعين.  ويبدو أن الرهان المغربي على تركيا هو الأنجح حتى الآن في وقت كان الجميع يعتقد أن المغرب يراهن أكثر على إسرائيل، ولا يمكن استبعاد أن الكيان لم يلتزم بوعوده كما يفعل عادة في ملفات التسليح، رغم وجود مصنع مشترك للدرونات الانتحارية في المغرب ولكن بدون نتائج تذكر حتى الآن. ووقع المغرب اتفاقيات مع عدد من الدول في التصنيع منها الهند والبرازيل، لكنها تبقى دون القفزة النوعية الواعدة في التعاون مع تركيا.

الرهان التركي

ومن جانبها، تسعى تركيا الى تعزيز صادراتها من الأسلحة لتعزيز نفوذها الدولي مع تركيز خاص على العالم العربي وإفريقيا. فقد اشترت شركة بايكار خلال ديسمبر الماضي شركتين إيطاليتين لصناعة الطيران وهما: شركة بياجيو للصناعات الجوية وشركة بياجيو للطيران، حيث كادتا أن تعلنان عن إفلاسهما، وانقذتها الشركة التركية التي ستستفيد من تصاميم الشركتين وزبنائهما ولتعزيز تواجدها في أوروبا.

وتراهن تركيا على المغرب لأن هذا الأخير أقام مدارس تكوين مهني خاصة بالصناعات النوعية مثل صناعة الطيران، تضاف الى صناعة السيارات. وعليه، لن تجد الشركة التركية أي صعوبات في العثور على اليد العاملة المؤهلة والأطر الكافية في مجال صناعة الطيران.

ومن جانب آخر، ويعتبر المغرب قبلة لتكوين ضباط عدد من الدول الإفريقية، وأصبحت الجيوش الإفريقية تراهن على السلاح التركي. وعليه، ترغب تركيا في الرهان على المغرب ليكون منصة رئيسية نحو إفريقيا وخاصة غرب القارة السمراء سواء لتطوير الصفقات وجعل المغرب مركزا لتدريب الأفارقة على السلاح التركي وصيانته.

Sign In

Reset Your Password